ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الاصل في القيد أن يكون احترازيا ، لان الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال : جئني بإنسان أو بحيوان ناطق (١) ، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ، فيما وجد شرائطه إلا ذلك ، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره (٢) ، بل ربما قيل إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ
______________________________________________________
(١) حاصله : انه لا حاجة الى قيام قرينة خاصة على كون القيد للاحتراز ، بل هناك قرينة عامة على ذلك فان الأصل في القيد الاحترازية ، وهذا الأصل اما ان يرجع الى دعوى بناء العقلاء على ذلك او الى كون الاطلاق يقتضي الاحترازية ، ولذا شاع ان الأصل في القيد هو الاحتراز.
ويرده : ان هذا خلط بين ما له الدخل في شخص الحكم وبين ما يقتضي المفهوم ، فان كون الاصل في القيد ان يكون احترازيا معناه ان الأصل يقتضي ان يكون القيد أو الوصف له دخل في شخص ذلك الحكم ، والمفهوم انما هو حيث يكون للوصف دخل في سنخ الحكم كما مر تفصيله.
وبعبارة اخرى : انه لا اشكال في ان الوصف له دخل في تحقق الموضوع الخاص لذلك الحكم ، ولا دلالة له على ان حقيقة الحكم بما هي حقيقة الحكم مربوطة بذلك الوصف ، مثلا اذا قال المولى جئني بحيوان ناطق ، فان الناطقية تدل على ان الموضوع لهذا الوجوب هو الانسان ، ولا دلالة له على ان كلي وجوب المجيء منحصر ومقيد بالانسان ، وهذا مراده من قوله : «لأن الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ... الى آخر الجملة».
(٢) لا يخفى ان هذا من جملة أدلة القائلين بمفهوم الوصف مطلقا ، فيكون ذكر التفصيل في البين اقحاما له بين ادلتهم.