وقد يقال الناطق لما يدلّ على شيء ، وعلى هذا قيل لحكيم : ما الصامت الناطق؟ فقال : الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)(١) إشارة إلى أنّهم ليسوا من الناطقين ذوي العقول. قوله : (قالُوا : أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(٢) قيل : أراد به الاعتبار. قال الهرويّ : معلوم أنّ الأشياء كلّها ليست تنطق إلا من حيث العبرة. ثم قال : وقد قيل : إنّ ذلك يكون بالصّوت المسموع. وقيل : يكون الاعتبار ، والله أعلم ، بما يكون في النشأة الآخرة. قوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ)(٣) أي هو بمنزلة من يشهد نطقا حقّا. ويجوز أن يكون ذلك حقيقة يخلق فيه قوة. وقال بعضهم : حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنّطاق للمعنى في ضمّه وحصره. والمنطق والمنطقة : ما يشدّ به الوسط. وقيل في قول الشاعر (٤) : [من الوافر]
وأبرح ما أدام الله قومي |
|
بحمد الله منتطقا مجيدا |
منتطقا جانبا فرسا (٥) لم يركبه. قال الراغب (٦) : فإن لم يكن في المعنى غير هذا البيت ، فإنّه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شدّ نطاقه كقولهم : «من يطل ذيل أبيه ينتطق به» (٧). وقد قيل : معنى المنتطق المجيد هو الذي يقول قولا فيجيد فيه.
والمنطق والنّطاق واحد ، وهو أن تلبس المرأة ثوبا ، وتشدّ وسطها بحبل. ثم ترسل الأعلى على الأسفل. ومنه الحديث : «فعمدن إلى حجز مناطقهنّ» (٨) هو جمع منطق. وكانت اسماء (٩) تسمى «ذات النّطاقين» لأنها كانت تلبس واحدا ، وتحمل في الآخر الزاد
__________________
(١) ٦٥ / الأنبياء : ٢١.
(٢) ٢١ / فصلت : ٤١.
(٣) ٢٩ / الجاثية : ٤٥.
(٤) البيت لخداش بن زهير ، وهو في المفردات من غير عزو ، وفي اللسان ـ مادة نطق.
(٥) يريد : قائدا فرسا.
(٦) المفردات : ٤٩٧.
(٧) مثل يعزى إلى الإمام علي (رضي) ، أراد : من كثر إخوته اعتز بهم واشتد ظهره ، وضرب المنطقة مثلا لأنها تشد الظهر (المستقصى : ٢ / ٣٦٣).
(٨) النهاية : ٥ / ٧٦.
(٩) هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.