ن و س :
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ)(١). اختلف في الناس ، وكنت قد وعدت بذكر ذلك هنا فأقول : فيه أقوال : أحدها أنّ أصله نوس مأخوذ من ناس ينوس : إذا تحرك. ومنه حديث أمّ زرع : «أناس من حلي أذنيّ» (٢) أي حرّكهما بالحلي كالقرطة والشّنوف. وفي حديث آخر : «رأيت العباس وضفيرتاه تنوسان على ترائبه» (٣). وكان ملك من حمير يقال له ذو نواس ، لضفيرتين على عاتقه.
يقال : ناس ينوس نوسا ونوسانا. ونست الإبل : سقتها. فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت الفاء وتصغيره على نويس. الثاني أنّ أصله أناس ، واشتقاقه من الإنس للإيناس بهم ، فحذفت لمّا دخلت عليه «ال» ، كما حذفت الهمزة من إله لمّا دخلته «ال» على أحد الأقوال ، ويدلّ على ذلك التصريح بهذا الأصل. قال الشاعر (٤) : [من مجزوء الكامل]
إنّ المنايا يطّلع |
|
ن على الأناس الآمنينا |
الثالث أنّ أصله نسي من النّسيان (٥) ، فقلبت الكلمة بأن قدّمت لامها وأخّرت عينها فصار نيسا ، قلبت الياء ألفا كما تقدّم. وقد يراد بالناس الفضلاء المعتبرون دون من عداهم ، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية ، وهو وجود العقل والذّكر وسائر القوى المختصّة به ، فإنّ كلّ شيء عدم فعله المختصّ به لا يكاد يستحقّ اسمه كاليد ؛ فإنها إذا عدمت فعلها الخاصّ بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقه على يد السرير ورجله. ومن ذلك قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)(٦) ، وكذا قوله : (قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ)(٧) أي الكاملون في الإنسانية.
قوله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)(٨) عامّ في الجميع.
__________________
(١) ٢١ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٢) النهاية : ٥ / ١٢٧.
(٣) المصدر السابق ، وفيه : «.. على رأسه».
(٤) من شواهد اللسان ـ مادة نوس.
(٥) فيكون على هذا الرأي أصل إنسان «إنسيان».
(٦) ٥٤ / النساء : ٤.
(٧) ١٣ / البقرة : ٢.
(٨) ٢٥١ / البقرة : ٢.