فقال : خلّفته لو مات من ظمأ |
|
وزدته عن ورود الماء لم يرد (١) |
قالت : صدقت وفاء الحبّ عادته (٢) |
|
يا برد ذاك الذي قالت على كبدي |
وقال هذا المنشد : إنّ ابن الجوزّي ، حين ذكر قصة الخليل أنشد الأبيات وهو حسن جدا.
وتوفيه الشيء : بذله وافيا. واستيفاؤه : تناوله وافيا. ومنه قوله تعالى : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ)(٣)(الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)(٤). وسمي الموت والنوم توفّيا لأنّهما استيفاء مدّة. قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(٥). وقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ)(٦) أي يموتون ، وقرىء بفتح الياء (٧) ، وتأويلها : يتوفّون آجالهم. وهذه القراءة تبطل حكاية عن الشعبيّ أنه قال له رجل ـ وهو في جنازة : من المتوفّي؟ فقال الشعبيّ : الله تعالى ؛ قاله الزمخشريّ وفيه نظر لجواز أن هذه القراءة لم تبلغ الشعبيّ لا سيما وهي شاذّة.
قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)(٨) قيل : توفّي رفعة لا موت. وعن ابن عباس : إنه توخّي موت فإنّه أماته ثم أحياه. وقال : فيه تقديم وتأخير تقديره : رافعك إليّ ومتوفّيك. قال : وقد تكون الوفاة قبضا وليست بموت. يقال : توفّيت حقّي من فلان واستوفيته بمعنى. وقال آخرون : «متوفّيك» أي مستوف كونك في الأرض. وقال القتيبيّ : قابضك من الأرض من
__________________
(١) ورواية البيت في الديوان :
فقال : أبصرته لو مات من ظمأ |
|
وقلت : قف عن ورود الماء ، لم يرد |
(٢) وفي الديوان : قالت صدقت الوفا في الحبّ عادته.
(٣) ٧٠ / الزمر : ٣٩.
(٤) ٢ / المطففين : ٨٣.
(٥) ٤٢ / الزمر : ٣٩.
(٦) ٢٣٤ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٧) قرأها بالفتح علي (رضي) والمفضل عن عاصم (مختصر الشواذ : ١٥).
(٨) ٥٥ / آل عمران : ٣.