ويدل على صحة ذلك من السنة وأن القراءة والتلاوة صفة القارئ ، والمقروء المتلو صفة الباري قوله صلىاللهعليهوسلم : «من أراد أن يقرأ القرآن غضا فليقرأ على قراءة ابن أم عبد» يعني ابن مسعود ، فأضاف القراءة إلى ابن مسعود ، والمقروء صفة الله تعالى ، والذي يدل على صحة هذا القول أنه يجوز أن يقال هذا الحرف قراءة ابن مسعود وليس قراءة أبيّ وغيره من القراء ولا يجوز أن يقال إن المقروء الذي يقرأه ابن مسعود غير المقروء الذي يقرأه أبي ، لأن القراءة تكون غير القراءة والقرآن الذي يقرأه هذا بقراءته هو القرآن الذي يقرأه هذا أنه شيء واحد لا يختلف ولا يتغير ، وإن تغيرت القراءة له واختلفت. والذي يوضح لك هذا ويبينه تبيينا مستوفيا أن عمر رضي الله عنه لما مر على بعض الصحابة وهو يقرأ سورة الفرقان على خلاف قراءة عمر فأنكر ذلك عليه وقال : قد قرأتها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم على خلاف هذه القراءة ولبّبه حتى أتى به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى قال : «خلّ عنه ؛ اقرأ يا عمر ، فقرأ فقال : هكذا أنزل ، ثم قال للآخر : اقرأ ، فقرأ بالقراءة التي سمعها عمر منه فقال : هكذا أنزل. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه». فأخبر صلىاللهعليهوسلم باختلاف القراءتين وأن كل واحدة منهما تؤدي إلى ما تؤدي إليه الأخرى ، وهو المتلو المقروء القديم الذي لا يختلف ولا يتغير. وأيضا ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من عدة طرق عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم واتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ، ولكن بالألف عشر ـ الحديث ...».
وروي عنه صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله» فأضاف القرآن إلى الله تعالى لأنه صفة من صفات ذاته ، وأضاف التلاوة إلى التالي لأنها صفته يؤجر عليها كما يؤجر على جميع أفعال طاعاته. وأيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «استقرءوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل» وهذا يدلك على الفرق بين القراءة والمقروء ، والتلاوة والمتلو ، لأنه صلىاللهعليهوسلم حضهم على أخذ القراءة للقرآن عن هؤلاء الأربعة لأنهم قد باينوا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم في جودة القراءة وصحتها والعلم بها ، وهذا المعنى صحيح لأن الغلط ، واللحن ، والتحريف ، والتصحيف إنما يقع في القراءة والتلاوة التي هي صفة القارئ ؛ فأما القرآن المقروء فهو كلام الله تعالى الذي قد أخبر أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولأن القراءة تتعوج فيقومها القارئ الماهر ، لأنها يجوز عليها التعويج والتغيير ؛ فأما كلام الله القديم فليس يوصف بالتعويج. دليله : قوله