آيات في الرفع والنزول
وفي العدد (٥١٧) بعنوان «آيتان ...» مقال يتناسى فيه كاتبه ما قرّره في العدد السابق ، من أنّ مورد الخلاف لا يصلح أن يتّخذ مصدرا للعقيدة ، وأنّ الدليل النقليّ لا يفيد اليقين عند كثير من العلماء ، والذين قالوا بإفادته اليقين شرطوا شروطا إلى آخر ما ذكره في النوعين على رأي الفريق الثاني.
وأما الآن فيقول في مفتتح هذا المقال : إنه كان قرّر فيما سبق «أن القرآن كلّه قطعيّ الثبوت ، وأنه في دلالته نوعان : قطعيّ لا يحتمل التأويل ، وغير قطعي يحتمل معنيين فأكثر». فيتراجع هكذا عن القول بعدم إفادة الدليل النقلي اليقين عند كثير من العلماء ، فيتهاتر.
ولم أر بين الذين في أنفسهم مرض الخروج على الجماعة : من لا يتهاتر ، فإذا اعترف هكذا أنه يوجد بين الأدلة النقلية كثير مما يفيد اليقين ، فقد انهدم ما بناه ، واضطرّ إلى الرجوع لقول الجماعة بدون أن تنفع تمهيداته المهلهلة في شيء من مقاصده.
وقوله : «قطعيّ لا يحتمل التأويل» يدلّ على أنه غاب عنه أنّ احتمال التأويل احتمالا غير ناشئ من الدليل : لا يخلّ بكون الدلالة قطعية اتفاقا بين أهل العلم ، على ما هو مشروح في «المستصفى» و «التلويح» و «مرآة الأصول» وغيرها.
كما أنّ قوله : «وغير قطعي يحتمل معنيين فأكثر» يدلّ على أنه لا يميّز بين المجمل المحتمل لمعنيين على قدم المساواة ، وبين الظاهر المحتمل لمعنيين يكون أحدهما راجحا بنفسه أو بدليل ، والآخر مرجوحا في حكم العدم عند انتفاء ما يوجب الاعتداد به ، كما لا يميّز بين أقسام الوضوح التي إنما يكون احتمال التأويل في بعضها ، مع كون جميعها قطعيّة الدلالة عند عدم دليل يعضد الاحتمال الآخر اتفاقا.