أحمد: العرش السرير وكل سرير لملك يسمى عرشا، والعرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام، قال تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف: ١٠٠] وقال تعالى: (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهٰا) [النّمل: ٣٨]، اعلم أن الاستواء في اللغة على وجوه: منها الاعتدال. قال بعض بني تميم: «فاستوى ظالم العشيرة والمظلوم» أي اعتدلا، والاستواء تمام الشيء. قال اللّه تعالى: (وَلَمّٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوىٰ) [القصص: ١٤]، والاستواء القصد إلى الشيء. قال اللّه تعالى: (ثُمَّ اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ) [البقرة: ٢٩] أي قصد خلقها، والاستواء الاستيلاء على الشيء. قال الشاعر:
إذا ما غزا قوما أباح حريمهم |
|
وأضحى على ما ملكوه قد استوى |
وروى إسماعيل بن أبي خالد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء، وجميع السلف على إيراد هذه الآية كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل.
وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا: استوى على العرش بذاته. وهذه زيادة لم ينقلوها إنما فهموها من إحساسهم وهو أن المستوي على الشيء إنما يستوي عليه ذاته. قال ابن حامد: الاستواء مماسة وصفة لذاته والمراد به القعود(١). قال: وقد ذهبت طائفة من أصحابنا إلى أن اللّه تعالى على عرشه ما ملأه وأنه يقعد نبيه معه على العرش، وقال: والنزول انتقال.
__________________
ـ على العامة عدم فهم الاستواء إذا لم يكن بمعنى الاستيلاء إلا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستيلاء فإنه قد ثبت إطلاقه عليه لغة في قوله:
فلما علونا واستوينا عليهم |
|
جعلناهم مرعى لنسر وطائر |
وقوله:
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق (ز) |
(١) قال الجلال الدواني في شرح العضدية: وقد رأيت في بعض تصانيف (ابن تيمية) القول به (أي بالقدم النوعي) في العرش اه وقال الشيخ محمد عبده فيما علقه عليه: وذلك أن ابن تيمية كان من الحنابلة الآخذين بظواهر الآيات والأحاديث القائلين بأن اللّه استوى على العرش جلوسا، فلما أورد عليه أنه يلزم أن يكون العرش أزليا لما أن اللّه أزلي فمكانه أزلي، وأزلية العرش خلاف مذهبه قال إنه قديم بالنوع أي أن اللّه لا يزال يعدم عرشا ويحدث آخر من الأزل إلى الأبد حتى يكون له الاستواء أزلا وأبدا ولننظر أين يكون اللّه بين الإعدام والإيجاد هل يزول عن الاستواء فليقل به أزلا، فسبحان اللّه ما أجهل الإنسان وما أشنع ما يرضى لنفسه، ولست أعرف هل قال ابن تيمية بشيء من ذلك على التحقيق، وكثيرا ما نقل عنه ما لم يقله اه (ز).