أراد الله عزوجل إهلاكه فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به (١) ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره لما فيه من تكذيب رب العالمين في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين وكذا الازدراء بأصفيائه المنتخبين وخلفائهم الراشدين وأتباعهم الموفقين فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمة المتقون وما اتفقوا عليه من تبديعه وإخراجه ببعضه من الدين فمنه ما دوّن في المصنفات ومنه ما جاءت به المراسيم العليات وأجمع عليه علماء عصره ممن يرجع إليهم في الأمور الملمات والقضايا المهمات وتضمنه الفتاوى الزكيات من دنس أهل الجهالات ولم يختلف عليه أحد كما اشتهر بالقراءة والمناداة على رءوس الأشهاد في المجامع الجامعة حتى شاع وذاع واتسع به الباع حتى في الفلوات فمن ذلك نسخة المرسوم الشريف السلطاني (٢) ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاوون رحمهالله تعالى وقرئ على منبر جامع دمشق نهار الجمعة سنة خمس وسبعمائة ، صورته :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي تنزّه عن التشبيه والنظير ، وتعالى عن المثل فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] أحمده على ما ألهمنا من العمل بالسنة والكتاب ، ورفع في أيامنا أسباب الشك والارتياب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير ، وينزّه خالقه عن التحيز في جهة لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد : ٤] ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته وأمر بالتفكر في الآيات ونهى عن التفكر في ذاته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع ، وشيد الله بهم من قواعد الدين الحنيفي ما شرع ، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع.
وبعد فإن القواعد الشرعية ، وقواعد الإسلام المرعية ، وأركان الإيمان العلمية ، ومذاهب الدين المرضية ، هي الأساس الذي يبنى عليه ، والموئل الذي يرجع كل أحد إليه ، والطريق التي من سلكها فاز فوزا عظيما ، ومن زاغ عنها فقد استوجب عذابا أليما ، ولهذا يجب أن تنعقد أحكامها ، ويؤكد دوامها ، وتصان عقائد هذه الأمة عن
__________________
(١) ليتأمل هذا جدا فإنه عجيب ، اه مصححه.
(٢) لفظ ناصر الدين صفة لموصوف محذوف قطعا ليستقيم الكلام والتقدير الصادر من السلطان ناصر الدين الخ ، اه مصححه.