من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه طلاق. واتفق العلماء على حبسه الحبس الطويل فحبسه السلطان (١) ومنع من الكتابة في الحبس وأن يدخل إليه أحد بدواة ومات في الحبس. ثم حدث من أصحابه من يشيع عقائده ويعلم مسائله ويلقي ذلك إلى الناس سرا ويكتمه (٢) جهرا فعمّ الضرر بذلك حتى وقفت في هذا الزمان على قصيدة نحو ستة آلاف بيت يذكر ناظمها فيها عقائده وعقائد غيره ويزعم بجهله أن عقائده عقائد أهل الحديث (٣). فوجدت هذه القصيدة تصنيفا في علم الكلام الذي نهى العلماء عن النظر فيه لو كان حقا ، فكيف وهي تقرير للعقائد الباطلة وبوح بها وزيادة على ذلك وهي حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته فهذه ثلاثة أمور هي مجامع ما تضمنته هذه القصيدة.
فالأول من الثلاثة حرام لأن النهي عن علم الكلام إن كان نهي تنزيه فيما تدعو
__________________
ـ الرد عليه مؤلف شفاء السقام في تلك المسألة بل جمع الحافظ الصلاح العلائي طرق حديث الزيارة في الرد عليه أيضا بطلب ابن الفركاح ولم يستمر على مشايعته بعد ذلك إلا مكسرو الحشوية تحت الخفاء ، وكم استتيب وأخذ خطه بالتوبة ثم نقض مواثيقه. راجع (نجم المهتدي) و (دفع الشبه) و (الدرر الكامنة).
(١) الملك الناصر محمد بن قلاوون ولم يكن له عداء شخصي نحو ابن تيمية أصلا كما اعترف بذلك أشياع ابن تيمية لكن لما رأى توالى فتنه واتفق علماء المذاهب ضده ومعهم قاضي قضاة الحنابلة لم يسعه إلا أن يصدر مرسوما لأهل دمشق ومرسوما لسائر البلدان أسوة بما أصدره بمصر ضد هذا الزائغ. ونصوص تلك المراسيم مدوّنة في (نجم المهتدي) و (عيون التواريخ) و (دفع الشبه) بألفاظ متقاربة في المعنى وفي الاطلاع عليها عبرة بالغة. وقد تليت تلك المراسيم على المنابر نصحا للأمة وإفهاما لها أن ذلك الرجل مجسم زائغ اعتقادا وعملا فلا يجوز الاغترار به.
(٢) ويظهر من ذلك أن نونية ابن القيم لم تكن تذاع في ذلك العهد إلا سرا وكفى هذا سعيا بالفساد ولا يحسبن القارئ أن ابن القيم ربما يكون تاب وأناب عن هذه العقيدة الزائغة التي احتوتها تلك القصيدة فإنه يرى في ترجمته من طبقات الحنابلة لابن رجب أن ابن رجب سمعها من لفظ ابن القيم عام وفاته وهذا من الدليل على أنه استمر على هذا المعتقد الباطل إلى أواخر عمره. وعدد أبياتها ستة آلاف بيت إلا واحدا وخمسين بيتا.
(٣) وبيّن أهل الحديث من القدرية والخوارج وصنوف الشيعة والمجسمة من كرامية وبربهارية وسالمية رجال لا يحصيهم العد كما لا يخفى على من له إلمام بعلم الرجال فليس لهم عقيدة جامعة فيكون عزو عقيدة إلى جماعة الحديث مخادعة وتمويها على العقول ، فإن كان يريد تخصيص هذا الاسم بصنوف المجسمة فهذه التسمية إنما تكون تسمية ما أنزل الله بها من سلطان ، وإنما التعويل على أهل الحديث في روايتهم الحديث فقط فيما لا يتهمون به ، وأما علم أصول الدين فله أئمة معروفون وبراهين مدوّنة في كتبهم ، وأهل الحديث المبرءون من البدع يسيرون سيرهم.