متوسطة ، بإذنه سبحانه وإرادته ومشيئته ، وهذا هو المراد من التوحيد في الخالقية ؛ فالخالق المستقل في خلقه ، واحد. وخالقية غيره بإذنه وإقداره. وهذا المقدار من الاستناد يكفي في رفع حاجة الممكن من دون حاجة إلى أن يكون هناك استناد مباشر.
وباختصار : إنّ الله سبحانه خلق الإنسان وأفاض عليه القدرة والاختيار ، وهو بالقدرة المكتسبة يوجد فعله ، وعليه يكون الفعل فعلاً لله سبحانه وفعلاً للعبد. أمّا الأوّل فلأنّ ذاته وقدرته مخلوقتان لله سبحانه. وأمّا الثاني فلأنّه باختياره وحريته النابعة من ذاته صرف القدرة المفاضة في مورد خاص ، ولأجل ذلك يقول أهل الحقّ : إنّ لفعل العبد نسبة إلى الله ونسبة إلى العبد« والفعل فعل الله وهو فعل العبد ».
احتج المتأخرون من الأشاعرة على كون أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه بوجوه أُخرى نأتي ببعضها :
الأوّل : لو كان العبد موجداً لأفعال نفسه لكان عالماً بتفصيل أفعال ، ه وهذا معنى قوله سبحانه : (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبير) (١) ، وبما أنّه غير لم بتفاصيل أفعاله ، بشهادةأنّنا حال الحركة نفعل حركات جزئية لا نعقلها ، وأنّنا نقصد الحركة من المبدأ إلى المنتهى ، ولا نقصد جزئيات تلك الحركة ، وجب القطع بأنّ العبد غير موجد لها. (٢)
يلاحظ عليه : أنّ الإيجاد لا يستلزم العلم ، فإنّ الفاعل قد يصدر عنه الفعل بمجرد الطبع ، كالإحراق الصادر من النار من غير علم ، فلا يلزم من نفي العلم نفي الإيجاد ، والمثبتون لعلمه سبحانه لا يستدلّون عليه بالإيجاد ، بل بإتقان الفعل وإحكامه. نعم الإيجاد بالاختيار لكونه مقارناً للقصد ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ الملك : ١٤.
٢ ـ الأربعون للرازي : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، وشرح التجريد للقوشجي : ٤٤٧.