موافقاً لكونه ابن خمس وخمسين سنة ، وبما أنّه من مواليد عام ( ٢٦٠ هـ ) ، فيجب أن يكون عام الإنابة موافقاً لسنة ( ٣١٥ هـ ).
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّه تبرأ من منهج الأُستاذ وهو حي ، وقد توفي أُستاذه الجبائي عام ( ٣٠٣ هـ ) ، وعندئذ كيف يمكن تصديق ذلك النقل؟!
الحوافز الدافعة إلى ترك الاعتزال
إنّ الأشعري قد مارس علم الكلام على مذهب الاعتزال مدّة مديدة وبرع فيه إلى أوائل العقد الخامس من عمره ، وعند ذاك تكون عقيدة الاعتزال صورة راسخة وملكة متأصلة في نفسه ، فمن المشكل جداً أن ينخلع الرجل دفعة واحدة عن كلّ ما تعلم وعلّم ، وناظر وغَلب أو غُلب ، وينخرط في مسلك يضاد ذلك ويغايره بالكلية. نعم ، نتيجة بروز الشك والتردُّد هو عدوله عن بعض المسائل وبقاؤه على مسائل أُخر ، وأمّا العدول دفعة واحدة عن جميع ما مارسه وبرع فيه ، والبراءة من كلّ ما يمت إلى منهج الاعتزال بصلة ، فلا يمكن أن يكون أمراً حقيقياً جدّياً من جميع الجهات.
ولأجل ذلك لابدّ لمؤرّخ العقائد من السعي في تصحيح وتفسير هذه البراءة الكاملة من منهج الاعتزال من مثله.
فنقول : أمّا السبب الحقيقي فالله سبحانه هو العالم. ولكن يمكن أن يقال إنّ الضغط الذي مورس على بيئة الاعتزل من جانب السلطة العباسية أوجد أرضية لفكرة العدول في ذهن الشيخ ونفسه ، وإليك بيانه :
إنّ الخلفاء العباسيين ـ من عصر المأمون إلى المعتصم ، إلى الواثق بالل هـ كانوا يروّجون لأهل التعقّل والتفكّر ، فكان للاعتزال في تلك العصور رقيّ وازدهار. فلمّا توفّي الواثق بالله عام ٢٣٢ هـ وأخذ المتوكل بزمام السلطة بيده ، انقلب الأمر وصارت القوة لأصحاب الحديث ، ولم تزل السيرة على ذلك حتى هلك المتوكل وقام المنتصر بالله مقامه ، فالمستعين بالله ، فالمعتز بالله ،