وبعد ذلك فانظر إلى تكلّف الشيخ في تفسير الآية حيث يقول : عنى العفريت بقوله : َ وَإِنِّي عَليهِ لَقَويٌّ أَمينٌ ) إن استطعت ذلك وتكلفته وأردته ، أو عنى منه : إن شاء الله ، أو عنى منه : إن قوّاني الله تعالى عليه.
والعجب أنّه يتنبّأ ويقول : « ولو لم يعلم سليمان أنّ العفريت أضمر شيئاً من ذلك لكذّبه ورد عليه قوله » أو ليس هذا تخرصاً على الغير؟!
ونحن لا نعلّق على التأويل الذي أتى به الشيخ ، ولا على التنبّؤ الذي نسبه إلى سليمان شيئاً ، بل نرجع القضاء في ذلك إلى وجدان القارئ الحر ، ونقول : هكذا يتلاعب الإنسان بالآيات القرآنية بسبب أفكاره المسبقة. (١)
إنّ الوجدان السليم والعقل الفطري يحكم بامتناع تكليف ما لا يطاق ، أمّا إذاكان الآمر إنساناً فلأنّه بعد وقوفه على أنّ المأمور غير مستطيع لإيجاد الفعل ، وغير قادر عليه ، فلا تنقدح الإرادة في لوح نفسه وضمير روحه ، ولا يبلغ تصوّر الفعل والتصديق بفائدته إلى مرحلة العزم والجزم بطلبه من المأمور ، وبعثه من صميم القلب نحو الشيء المطلوب ، إذ كيف يمكن أن يطلب شيئاً بطلب جدي ممّن يعلم أنّه عاجز ، وهل يمكن لإنسان أن يطلب الثمرة من الشجرة اليابسة ، أو المطر من الأحجار والأتربة الجامدة ، ولأجل ذلك يقول المحقّقون : إنّ مرجع التكليف بما لا يطاق إلى كون نفس التكليف محالاً ، وإنّ الإرادة الجدية لا تنقدح في ضمير الأمر هذا كلّه إذا كان الآمر إنساناً ، وأمّا إذا كان الآمر هو الله سبحانه ، فالأمر فيه واضح من جهتين :
١ ـ إنّ التكليف بمالا يطاق أمر قبيح عقلاً ، فيستحيل عليه سبحانه من حيث الحكمة أن يكلّف العبد مالا قدرة له عليه ولا طاقة له به ، ويطلب منه فعل ما يعجز عنه ويمتنع منه ، فلا يجوز له أن يكلّف الزمن ، الطيران إلى السماء ، ولا الجمع بين الضدين ، ولا إدخال الجمل في خرم الإبرة ، إلى غير ذلك من المحالات الممتنعة.
ــــــــــــــــــ
١ ـ راجع في ما نقلناه عن الشيخ الأشعري حول الآيات ، اللمع : ٩٩ ـ ١٠٩.