أوّلاً : أنّ الروايات السابقة دلت على أنّ صلة الأشعري بالجبائي قد انقطعت بعد انسلاكه في مسلك المحدّثين ، والظاهر من هذه الرواية خلافها ، وأنّ الأشعري كان يناظر أُستاذه حتى بعد الإنابة عن الاعتزال ، بشهادة قول الأُستاذ : فلم منعت هذا وأجزت ذاك... ».
وثانياً : أنّه من البعيد أن لا يقف الجبائي على عقيدة أهل الحديث ، بل عقيدة المسلمين جميعاً في أسمائه سبحانه ، وأنّها توقيفية ، وأنّه لا تصح تسميته إلاّبما سمّى به سبحانه نفسه. وذلك لصيانة ساحة الرب عمّا لا يليق بها ، إذ لو لم تكن التسمية توقيفية ، ربما يعرف سبحانه بأسماء وصفات غير لائقة بساحته ، فإنّ السواد الأعظم من الناس غير واقفين على الحد الذي يجب تنزيهه سبحانه عنه.
وثالثاً : لقائل أن ينصر الأُستاذ ( الجبائي ) ويقول : إنّ « الحكم »مشترك بين معنيين ، أحدهما المنع ، والآخر معنى يلازم العلم والفقه والقضاء والإتقان ؛ قال سبحانه : ( وَآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبياً ) (١) وإرجاع المعنى الثاني إلى الأول تكلّف. وإطلاق الحكيم على الله بالملاك الثاني دون الأوّل. (٢)
الغلو هو : تجاوز الحدّ والخروج عن الوسط ، مائلاً إلى جانب الإفراط ، قال سبحانه : ( يا أَهْلَ الكِتاب لا تغلو في دينِكُم ) (٣) كما أنّ البخس بالحقوق وإنكار الفضائل الثابتة بالدلائل الصحيحة ، تفريط وتقصير ؛ فكلا العملين مذمومان ، ودين الله كما قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام هو ما بين المقصر والغالي : « فعليكم بالنمرقة فيها يلحق المقصر ويرجع إليها الغالي ». (٤)
ــــــــــــــــــ
١ ـ مريم : ١٢.
٢ ـ لسان العرب : ١٢/١٤٠ ، ط بيروت ، مادة حكم.
٣ ـ النساء : ١٧١.
٤ ـ ربيع الأبرار للزمخشري ؛ وفي نهج البلاغة قسم الحكم ، الرقم ١٠٩ ، ما يماثله : « نحن