فلو أنّ القوم تجرّدوا عن انتحال مسلك مسبق ، ونظروا إلى القرآن بعين التفهّم والاستفادة ، لما شكّ أحد في أنّ المراد من النظر إلى الله سبحانه في ذلك المشهد الرهيب هو رجاء رحمته وفضله وكرمه.
وممّا ذكرنا تعرف أنّ ما أتعب به الشيخ نفسه لا يفيد شيئاً. فإنّ غاية ما أثبته هو أنّ النظر هنا بقرينة « وجوه » بمعنى الرؤية ، ولكنّه لم يستدلّ على أنّ الرؤية هل هي المقصود بالذات ، أو هي كناية عن معنى آخر وهو انتظار رحمته ، واليقين بفضله وكرمه؟ مع أنّ هنا فرقاً واضحاً بين قولنا : « عيون يومئذ ناظرة » و وجوه يومئذ ناظرة فلو كان الأوّل ظاهراً في الرؤية فليس الثاني كذلك. فهو في الانتظار أوضح وأبين. وليس الفاعل في قوله سبحانه : إِلى ربّها ناظرة هو العيون ، بل الوجوه المذكورة في الآية المتقدمة ، أعني قوله : وجوه يومئذ ناظرة فالنظر منسوب إلى الوجوه لا إلى العيون ، فافهم.
وباختصار ، إنّا لا نقول بأنّ النظر هنا نظر القلب ، حتى يستدلّ الشيخ على عدم صحّته بأنّ النظر إذا قرن بالوجوه لم يكن معناه نظر القلب ، الذي هو انتظاره ، وإنّما نقول بأنّ المراد منه هو النظر بالعين ، ولكن هذا المعنى المطابقي كناية عن معنى التزامي. والمقصود في الكنايات هو المعنى الثاني لا المعنى الأوّل. فإذا قلت « فلان كثير الرماد » فصدقه يتوقّف على كثرة ضيوفه ووفرة من ينزل في بيته ، لا على وجود رماد في بيته.
وعلى ذلك فالذي يجب التركيز عليه هو الوقوف على ما هو مقصود المتكلّم من قوله : إِلى ربّهاناظرة فهل هو يريد أنّ جزاء المطيعين ذوي الوجوه الناظرة هو النظر إلى ذات الله ورؤيته؟ أو أنّه كناية عن جزاء آخر ، هو انتظار رحمته وفضله وكرمه ، في مقابل الطغاة ذوي الوجوه الباسرة الظانين بنزول العذاب الفاقر.
وهذه هي النكتة المهمة في فهم الآية وقد غفل عنها الأشعري وروّاد منهجه.
قوله سبحانه : (وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبّهُ قالَ رَبِّ أَرِني أَنْظُرْ