يُهَدَّدوا بعدم النظر إليهم وإنّما النافع بحالهم هو وصول رحمته إليهم ، والمضر بحالهم عدم شمول لطفه لهم ، فيكون المراد عدم تعطّفه إليهم.
هذا هو مفتاح حل المشكل المتوهم في الآية ، فتفسير الآية برؤية الله أخذاً بالمعنى المكنّى به غفلة عن محور البحث فيها.
ويدلّ على أنّ المراد من النظر ـ حتى ولو كان بمعنى الرؤية ـ ليس هو الرؤية البصرية ، بل المقصود انتظار الرحمة ، تقديم المفعول ، أعني : « إلى ربّها » على الفعل والفاعل أعني : « ناظرة » ، فإنّ تقديمه يدلّ على معنى الاختصاص ، والاختصاص صحيح لو قلنا بأنّ المراد هو انتظار رؤيته ، لأنّ الإنسان في هذا الظرف الهائل لا يتوقع إلاّ رحمة الله وعنايته ولطفه فقط ، ولا يتوقع شيئاً سواها حتى يتخلص من أهوال القيامة ، وأمّا رؤية الله سبحانه فليست بهذه المنزلة في تلك الأحوال ، فليس الناس بحالة لا يطلبون فيها إلاّ النظر إليه وعدم النظر إلى غيره. وإن عمّهم العذاب بعد الرؤية ليصحّ وجه الحصر. لأنّ ما ينجيهم من الأهوال هو رحمته ، لا رؤية وجهه.
يقول صاحب الكشاف : إنّ المؤمنين ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد. فاختصاصه سبحانه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه ، محال أو غير واقع ، فوجب حمله على معنى يصحّ معه الاختصاص. والذي يصحّ معه أن يكون من قبيل قول الناس« أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي » يريد معنى التوقّع والرجاء ومن هذا القبيل قوله :
وإذا نظرت إليك من ملك |
|
والبحر دونك زدتني نعماً (١) |
إنّ هنا كلمة أُخرى للزمخشري في كشافه ، يقول :
« وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقائلهم ، تقول : « عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم ».تقصد راجية ومتوقعة لإحسانهم إليها ، كما هو معنى قولهم : « أنا أنظر إلى الله ثمّ إليك » : « أتوقع فضل الله ثمّ فضلك ». (٢)
ــــــــــــــــــ
١ ـ الكشاف : ٤/٦٦٢ ـ
٢ ـ الكشاف : ٣/٢٩٤ ، في تفسير قوله سبحانه : ( إلى ربّها ناظرة ).