التحفّظ على الأُصول المسلّمة العقلية فنقول :
لا شكّ أنّ مقتضى التوحيد في الخالقية بالمعنى الذي عرّفناك به عند البحث عن « خلق الأعمال » هو كون ما في الوجود مخلوقاً لله سبحانه ، لكن لا بمعنى إنكار العلل والأسباب ، بل بمعنى انتهاء كلّ الأسباب والمسببات إليه سبحانه ، كانتهاء المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي ، وقيام الممكن بالذات ، بالواجب بالذات.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر إنّ إرادته سبحانه من صفات ذاته ، وإن لم نحقّق كنهها ، لأنّ الفاعل المريد أكمل من الفاعل غير المريد ، غير أنّ الإرادة في الإنسان طارئة حادثة ، وفيه سبحانه ليست كذلك.
فإذا كانت إرادته نفس ذاته ، والذات هي العلّة العليا للكون فلا يكون هناك شيء خارج عن حريم إرادته ، فكما تعلّقت قدرته بكلّ شيء ، تعلّقت إرادته به ، ولا يكون في صفحة الوجود شيء خارج عن سلطان إرادته.
ولكن وزان عمومية إرادته لكلّ شيء ، وزان عمومية قدرته لكلّ شيء ، فكما أنّ عمومية الثانية لا تسلتزم الجبر ، فهكذا عمومية الإرادة ، وذلك لأنّ إرادته لم تتعلّق بصدور فعل كلّ شيء عن فاعله على وجه الإلجاء والاضطرار ، بل تعلّقها به على قسمين : قسم تعلّقت إرادته بصدور الفعل عن فاعله على نحو الاضطرار ، ولكن لا عن شعور ، كالحرارة بالنسبة إلى النار ؛ أو عن شعور ، ولكن لا عن إرادة واختيار ، كحركة المرتعش. وقسم تعلّقت إرادته بصدور الفعل عن فاعله عن اختيار.
فمعنى تعلّق إرادته بفعل الإنسان هو تعلّق إرادته بكونه فاعلاً مختاراً يفعل ما يشاء في ظل مشيئته سبحانه ، فقد شاء أن يكون مختاراً ، وفي وسعه سبحانه سلب اختياره وإلجاؤه إلى أحد الطرفين من الفعل والترك.
وباختصار : إنّه كما تعلقت إرادته بصدور فعل كلّ فاعل عنه ، كذلك تعلّقت إرادته بصدور فعله عن المبادئ الموجودة فيها.