(١٦)
التحسين والتقبيح العقليان
قد عنون الشيخ الأشعري هذه المسألة باسم « التعديل والتجوير » وهذه المسألة ، تعد الحجر الأساس لكلام الأشعري وعقيدة أهل الحديث والحنابلة. فالشيخ تبعاً لأبناء الحنابلة صوّر العقل أقلّ من أن يدرك ما هو الحسن وما هو القبيح ، وما هو الأصلح وما هو غيره ، قائلاً بأنّ تحكيم العقل في باب التحسين والتقبيح يستلزم نفي حرية المشيئة الإلهية ، وتقيدها بقيد وشرط ، إذ على القول بهما يجب أن يفعل سبحانه ما هو الحسن عند العقل ، كما عليه الاجتناب عمّا هو القبيح عنده. فلأجل التحفّظ على إطلاق المشيئة الإلهية قالوا : لا حسن إلاّما حسّنه الشارع ، ولا قبيح إلاّ ما قبّحه ، فله سبحانه أن يؤلم الأطفال في الآخرة ويعدّ ذلك منه حسناً.
أقول : الإنسان المتحرر عن كلّ عقيدة مسبقة ـ وعن كلّ عامل روحي يمنعه عن الاعتناق بحكم العقل في ذلك المجال ـ يصعب عليه الإذعان بصحّة عقوبة الطفل المعصوم ، وتصويره حسناً وعدلاً. ولا تجد إنساناً على أديم الأرض ينكر قبح الإساءة إلى المحسن. فعند ذلك يتوارد السؤال عن العلة التي دفعت الأشعري إلى هذه العقيدة ، ولم يكن ذلك إلاّ لمواجهة المعتزلة في تحكيمهم العقل على الشرع ، وإخضاعهم الدين له ، حتى صاروا يؤوّلون بعض ما لا ينطبق من الشرع على أُصولهم العقلية. فصار ذلك الإفراط دافعاً للشيخ إلى التفريط والتورط في مغبة إعدام العقل ورفضه عن ساحة الإدراك على الإطلاق.