العامة. (١)
ولهذا فإنّ الحركات الفكرية التي ظهرت بعد نكبة المعتزلة ، كإخوان الصفا ، لم تجسر أن تعلن عن نفسها خشية طغيان العامة عليها ، فاضطرت إلى أن تعمل في الخفاء ، فكان من أسوأ النتائج التي ترتّبت على ذلك ، شيوع عادة تأليف الفرق والجمعيات السرية كالقرامطة والحشّاشين الذين كان لهم أثر كبير في إضعاف الإسلام وتأخيره ، أمّا الذين وجدوا في أنفسهم الجرأة ليتابعوا دروسهم وأبحاثهم على رؤوس الأشهاد ، وهم جماعة الفلاسفة كالفارابي ، وابن سينا ، وابن رشد ، فقد كانوا مكروهين ، وظلوا طوال الوقت يحيون في جوّ ناء منفصل عن الجو الذي تعيش فيه سائر الأُمّة. (١)
ثمّ إنّ الظاهر ممن ترجموه هو أنّ المذهب الأشعري انتشر من فوره ، يقول الكوثري : وفّقه الله لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ، وقمع المعاندين وكسر تطرّفهم ، وتواردت عليه المسائل من أقطار العالم فأجاب عنها ، فطبق ذكره الآفاق ، وملأ العالم بكتبه وكتب أصحابه في السنّة ، والرد على أصناف المبتدعة والملاحدة وأهل الكتاب.
وتفرق أصحابه في بلاد العراق وخراسان والشام وبلاد المغرب ، ومضى لسبيله ، وبعد وفاته بيسير استعاد المعتزلة بعض قوتهم في عهد بني بويه ، لكن الإمام ناصر السنة أبا بكر بن الباقلاني قام في وجههم ، وقمعهم بحججه ، ودان للسنّة على الطريقة الأشعرية أهل البسيطة إلى أقصى بلاد أفريقية. (٢)
وقد جعله ابن عساكر أحد من يقيّضه الله سبحانه في رأس كلّ مائة سنة ، يعلّم الناس دينهم ، فيعدّ في المائة الأُولى عمر بن عبد العزيز ، وفي المائة
ــــــــــــــــــ
١ ـ تجارب الأُمم : ٦/٤٠٨.
٢ـ المعتزلة : ٢٦٤.
٢ ـ مقدّمة التبيين : ١٥.