الثانية الشافعي ، وفي المائة الثالثة أبا الحسن الأشعري ، وعلى رأس المائة الرابعة ابن الباقلاني. (١)
أقول : مضافاً إلى أنّ أصل الحديث غير ثابت ، وأنّ جعل هؤلاء من مجدّدي المذهب ـ خصوصاً عمر بن عبد العزيز ، مع كونه معاصراً للإمام الباقر عليهالسلام الذي لا يشكّ في إمامته في العلوم من له إلمام بالتاريخ ـ من الغرائب ، إنّ ما ذكره ابن عساكر هنا يضادُّ ما ذكره في موضع آخر من أنّ عامة المسلمين وجمهورهم كانوا لا يأتمون بمذهبه في عصر ابن عساكر ، حيث قال :
إن قيل : إنّ الجم الغفير في سائر الأزمان ، وأكثر العامة في جميع البلدان ، لا يقتدون بالأشعري ولا يقلّدونه ولا يرون مذهبه ولا يعتقدونه ، وهم السواد الأعظم ، وسبيلهم السبيل الأقوم.
قيل : لا عبرة بكثرة العوام ولا الالتفات إلى الجهّال ، وإنّما الاعتبار بأرباب العلم ، والاقتداء بأصحاب البصيرة والفهم ، وأُولئك في أصحابه أكثر ممن سواهم ، ولهم الفضل والتقدّم على من عداهم ، على أنّ الله عزّوجلّ قال : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَليل) (٢).
على أنّ ابن النديم لا يذكر من أصحابه إلاّ شخصين : الدمياني وحمويه من أهل سيراف قال : وكان الأشعري يستعين بهما على المهاترة والمشاغبة ، وقد كان فيهما علم بمذهبه ، ولا كتاب لهما يعرف. (٣)
ولأجل عدم انتشار مذهبه في عصره بل بعد مدّة من وفاته ، نجد الحنابلة لا يترجمونه في طبقاتهم ، ولا يعدونه منهم ، وتمقته الحشوية منهم فوق مقت المعتزلة ، مع أنّه صرح في بعض كلماته بأنّه على مذهب أحمد. (٤)
نعم ، لا شكّ في انتشار مذهبه بعد القرن السادس إلى أن صار مذهباً
ــــــــــــــــــ
١ ـ التبيين : ٥٢.
٢ ـ التبيين : ٣٣١.
٣ ـ فهرست ابن النديم : ٢٧١.
٤ ـ مقدّمة التبيين بقلم الكوثري : ١٦.