ثمّ إنّ للأشاعرة في مسألة « خلق الأفعال » حججاً وأدلّة ، أو شبهات وتشكيكات يقف عليها وعلى أجوبتها من سبر الكتب الكلامية للمحقّق الطوسي وشرّاح التجريد ، فراجع.
ولما كان القول بأنّ أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه مستلزماً للجبر ، حاول الأشعري أن يعالجه بإضافة « الكسب » إلى « الخلق » قائلاً بأنّ الله هو الخالق ، والعبد هو الكاسب ، وملاك الطاعة والعصيان ، والثواب والعقاب هو « الكسب » دون الخلق ، فكلّ فعل صادر عن كلّ إنسان مريد ، يشتمل على جهتين« جهة الخلق » و « جهة الكسب » فالخلق والإيجاد منه سبحانه ، والكسب والاكتساب من الإنسان.
والظاهر أنّ بعض المتكلّمين سبق الأشعري في القول بالكسب.
قال القاضي عبد الجبار : إنّ جهم بن صفوان ذهب إلى أنّ أفعال العباد لا تتعلق بنا. وقال : إنّما نحن كالظروف لها حتى أنّ ماخلق فينا ، كان ، وإن لم يخلق لم يكن.
وقال ضرار بن عمرو (١) : إنّها متعلّقة بنا ومحتاجة إلينا ، ولكن جهة الحاجة إنّما هي الكسب ، فقد شارك جهماً في المذهب ، وزاد عليه الإحالة. (٢)
أقول : إنّ نظرية الكسب التي انتشرت عن جانب الإمام الأشعري مأخوذة عن ذلك المتكلّم المجبر ، ونقلها العلاّمة الحلي في « كشف المراد » عن
ــــــــــــــــــ
١ ـ ضرار : من رجال منتصف القرن الثالث وهو ضرار بن عمرو العيني قال القاضي في طبقاته : ص ١٣ : كان يختلف إلى واصل ، ثمّ صار مجبراً وعنه نشأ هذا المذهب.
٢ ـ شرح الأُصول الخمسة : ٣٦٣ ، وقد نقل الشيخ مقالة ضرار في كتابه مقالات الإسلاميين : ٣١٣ وقال : والذي فارق ( ضرار بن عمرو ) المعتزلة قوله : إنّ أعمال العباد مخلوقة وإن فعلاً واحداً لفاعلين ، أحدهما خلقه وهو الله ، والآخر اكتسبه وهو العبد ، وإنّ الله عزّوجلّ فاعل لأفعال العباد في الحقيقة ، وهم فاعلون لها في الحقيقة....