حقّه ، غير أنّ المقروء على ألسنتهم مخلوق لأنفسهم ، فيكون مثال ما نزّله سبحانه مخلوقاً للإنسان. وكون المثال مخلوقاً ليس دليلاً على أنّ الممثَّل مخلوق لهم. والناس بأجمعهم عاجزون عن إيجاد مثل القرآن ، ولكنّهم قادرون على إيجاد مثاله ، فلاحظ وتدبّر.
وبذلك تقف على أنّ أكثر ما استدل به الأشعري في كتاب « الإبانة » غير تام من جهة الدلالة ، ولا نطيل المقام بإيراده ونقده ، وفيما ذكرنا كفاية.
بقيت هنا نكتة ننبه عليها وهي : أنّ المعروف من إمام الحنابلة أنّه ما كان يرى الخوض في المسائل التي لم يخض فيها السلف الصالح ، لأنّه ما كان يرى علماً إلاّ علم السلف. فما يخوضون فيه يخوض فيه ، وما لا يخوضون فيه من أُمور الدين يراه ابتداعاً يجب الإعراض عنه. وهذه مسألة لم يتكلم فيها السلف فلا يتكلّم فيها. والمبتدعون هم الذين يتكلمون ، وعلى هذا ، كان عليه أن يسير وراءهم ، وكان من واجبه حسب أُصوله ، التوقّف وعدم النبس في هذا الموضوع ببنت شفة. نعم ، نقل عنه ما يوافق التوقف ـ رغم ما نقلناه عنه من خلاف هـ وأنّه قال : من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن زعم أنّه غير مخلوق فهو مبتدع.
ويرى المحقّقون أنّ إمام الحنابلة كان في أوليات حياته يرى البحث حول القرآن ـ بأنّه مخلوق أو غير مخلوق ـ بدعة ، ولكنّه بعد ما زالت المحنة وطلب منه الخليفة العباسي المتوكل ، المؤيد له ، الإدلاء برأيه ، اختار كون القرآن ليس بمخلوق. ومع ذلك لم يؤثر عنه أنّه قال إنّه قديم. (١)
إنّ تاريخ البحث وما جرى على الفريقين من المحن ، يشهد بأنّ التشدد فيه لم يكن بهدف إحقاق الحقّ وإزاحة الشكوك. بل استغلت كلّ طائفة تلك المسألة للتنكيل بخصومها. فلأجل ذلك نرى أنّ أئمّة أهل البيت
ـــــــــــــــــ
١ ـ تاريخ المذاهب الإسلامية : ٣٠٠.