للنظر لم يبق إلاّ حالة واحدة وهي نظر الرؤية.
يلاحظ عليه : من أين وقف الشيخ الأشعري على أنّ الآيات تحكي عن أحوال المؤمنين بعد دخول الجنّة والكافرين بعد الاقتحام في النار؟
والظاهر بقرينة قوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ ) أنّ الآيات تحكي عن أحوالهم قبل دخولهم في مستقرهم ومأواهم ، فلا مانع من أن يكون انتظار من دون أن يكون هناك تكدير وتنقيص.
قد شغلت هذه الآية بال الأشاعرة والمعتزلة ، فالفرقة الأُولى تصرُّ على أنّ النظر هنا بمعنى الرؤية ، والثانية تصر على أنّها بمعنى الانتظار لا الرؤية ، ويقولون : إنّ النظر إذا استعمل مع « إلى » يجيء بمعنى الانتظار أيضاً ، يقول الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدر |
|
إلى الرحمن يأتي بالفلاح (١) |
أي منتظرة إتيانه تعالى بالنصرة والفلاح.
إلى غير ذلك من الآيات والروايات والأشعار العربية ، الواردة فيها تلك اللفظة بمعنى الانتظار ، حتى فيما إذا كانت مقرونة بـ « إلى ».
غير أنّ الحقّ أنّ الآية لا تدلّ على نظرية الأشاعرة ، حتى ولو قلنا إنّ النظر في الآية بمعنى الرؤية ، فإنّ الآية على كلا المعنيين تهدف إلى أمر آخر ، لا صلة له بمسألة الرؤية ، ويعرف مفاد الآيات بمقارنة بعضها ببعض ، وإليك بيانه :
إنّ الآية الثالثة تقابل الآية الأُولى ، كما أنّ الرابعة تقابل الثانية ، وعند المقابلة يرفع إبهام الثانية بالآية الرابعة ، وإليك تنظيم الآيات حسب المقابلة :
أ. وجوه يومئذ ناضرة ـ يقابلها قوله : وجوه يومئذ باسرة.
ب. إلى ربّها ناظرة ـ يقابلها قوله : تظن أن يفعل بها فاقرة.
وبما أنّ المقابل للآية الثانية واضح المعنى ، فيكون قرينة على المراد منها ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ وفي رواية : تنتظر الخلاصا.