والإجابة عنه واضحة ، لأنّ مغزى القاعدة السالفة هو أنّ الإنسان يدرك حسن العدل وقبح الظلم من كلّ مدرك شاعر ، ولكلّ عاقل حكيم ، من غير فرق بين الظروف والفواعل. وهذا نظير درك الزوجية للأربعة ، فالعقل يدرك كونها زوجاً عند الجميع ، لا عند خصوص الممكن. فليس المقام من باب إسراء حكم الإنسان الممكن إلى الواجب تعالى. بل المقام من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية بديهية عند جميع المدركين ، من غير فرق بين خالقهم ومخلوقهم. ولا يختص هذا الأمر بهذه القاعدة ، بل جميع القواعد العامة في الحكمة النظرية كذلك.
وعلى هذا يثبت تنزّهه سبحانه عن كلّ قبيح ، واتّصافه بكلّ كمال في مقام الفعل ، فيثبت كونه تعالى حكيماً عادلاً لا يرتكب اللغو وما يجب التنزّه عنه ، كما لا يرتكب الجور والعدوان.
إنّ هذا البحث الضافي حول التحسين والتقبيح العقليين ، وما يترتب عليهما من الآثار ، التي عرفت بعضها ، يوقفنا على مكانة العدل في العقائد الإسلامية ، إذ الاعتقاد بالعدل من شعب الاعتقاد بالتحسين والتقبيح العقليين ، وقد عرفت أنّه لولا القول به لارتفع الوثوق بوعده ووعيده ، وامتنع حصول الوثوق بمعاجز مدعي النبوة ، وعزل العقل في درك التحسين والتقبيح في الأفعال يستلزم انخرام كثير من العقائد الإسلامية ، ولأجل هذه الأهمية والمنزلة تضافرت الآيات والروايات مركزة على قيامه سبحانه بالقسط.
العدل في الذكر الحكيم
قال سبحانه : (شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالقِسْطِ). (١)
ــــــــــــــــــــ
١ ـ آل عمران : ١٨.