٨ ـ عادل لا يجور
إنّ مقتضى التحسين والتقبيح العقليين ـ على ما عرفت ـ هو أنّ العقل ـ بما هوهو ـ يدرك أنّ هذا الشيء ـ بما هوهو ـ حسن أو قبيح ، وأنّ أحد هذين الوصفين ثابت للشيء ـ بما هوهو ـ من دون دخالة ظرف من الظروف أو قيد من القيود ، ومن دون دخالة درك مدرك خاص ، بل الشيء يتمتع بأحد الوصفين بما هوهو.
وعلى ذلك فالعقل في تحسينه وتقبيحه يدرك واقعية عامة ، متساوية بالنسبة إلى جميع المدركين والفاعلين ، من غير فرق بين الممكن والواجب. فالعدل حسن ويمدح فاعله عند الجميع ، والظلم قبيح ويذم فاعله عند الجميع ، وعلى هذا الأساس فالله سبحانه ، المدرك للفعل ووصف هـ أعني : استحقاق الفاعل للمدح أو الذم من غير خصوصية للفاعل ـ كيف يقوم بفعل يحكم هو نفسه بأنّ فاعله مستحق للذم ، أو يقوم بفعل يحكم هو بأنّه يجب التنزّه عنه؟
وعلى ذلك فهو سبحانه عادل ، لأنّ الظلم قبيح والعدل حسن ، ولا يصدر القبيح من الحكيم. فالاتّصاف بالعدل من شؤون كونه حكيماً منزّهاً عمّا لا ينبغي له.
وإن شئت قلت : إنّ الإنسان يدرك أنّ القيام بالعدل كمال مطلق لكلّ أحد ، وارتكاب الظلم نقص لكلّ أحد. وهو كذلك ـ حسب إدراك العقل ـ عنده سبحانه. ومعه : كيف يمكن أن يرتكب الواجب تعالى خلاف الكمال ويقوم بما يجرّ النقص إليه؟
دفع إشكال
ربما يقال إنّ كون الشيء حسناً عند الإنسان أو قبيحاً عنده ، لا يدل على كونه كذلك عند الله سبحانه. فكيف يمكن استكشاف أنّه لا يترك الواجب ولا يرتكب القبيح؟