والقشيري فما أُجيب ، بل هدد بالقبض عليه بمقتضى ما تقدّم من مرسوم السلطان ، فلم يلتفت وعزم على دخول البلد ليلاً وإخراجهما مجاهرة ، وكان متولّي البلد قد تهيأ للحرب ، وبعد مفاوضات واشتباكات عنيفة توفق أبو سهل إلى إخراجهما من السجن ، فلمّا تم له الانتصار ، تشاور هو وأصحابه فيما بينهم وعلموا أنّ مخالفة السلطان لها تبعة ، وأنّ الخصوم لا ينامون ، فاتّفقوا على مهاجرة البلد إلى ناحية استواء. (١)ثمّ يذهبون إلى الملك. وبقي بعض الأصحاب بالنواحي مفرقين ، وذهب أبو نصر إلى المعسكر وكان على مدينة الري ، وخرج خصمه من الجانب الآخر فتوافيا بالري ، وانتهى إلى السلطان ما جرى ، وسعى بأصحاب الشافعي وبأبي سهل خصوصاً ، فقبض على أبي سهل وأُخذت أمواله وبيعت ضياعه ، ثمّ فرج عنه وخرج وحج.
وقد غادر كثير من علماء أهل السنة نيسابور ونواحيها ، ومرو وما والاها ، فمنهم أُخرجوا ومنهم من جاء إلى العراق ، ومنهم من جاء الحجاز.
فممّن حجّ : الحافظ أبو بكر البيهقي ، وأبو القاسم القشيري ، وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني وخلائق. يقال : جمعت تلك السنّة أربعمائة قاض من قضاة المسلمين من الشافعية والحنفية هجروا بلادهم بسبب هذه الواقعة ، وتشتت فكرهم يوم رجوع الحاج ، فمن عازم على المجاورة ، ومن محيّر في أمره لا يدري أين يذهب؟
كتب البيهقي ـ وهو محدث زمانه وشيخ السنّة في وقت هـ كتاباً إلى عميد الملك يصفه ويطريه فيه ، ويذكر في تلك الرسالة فضائل الشيخ أبي الحسن ومناقبه ، واندفع في آخر الرسالة إلى السؤال عن عميد الملك في إطفاء النائرة وترك السب وتأديب من يفعله. يقول السبكي : وقد ساق الحافظ ( ابن عساكر ) الكتاب بمجموعه ، فإن أردت الوقوف عليه كلّه فعليك بكتاب
ــــــــــــــــــ
١ ـ كورة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة.