أن يكون عاجزاً في مقابل تجلّيه بذاته ونفسه.
وبذلك تتبيّن دلالة الآية على عدم إمكان رؤيته ، فضلاً عن دلالته على إمكانها.
قد عرفت أنّ الأشاعرة استدلّت بهذه الآية بوجهين ، وقد ظهر مدى صحّة الوجه الأوّل ، وإليك بيان الوجه الثاني :
قالوا : إنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل ، وهو أمر ممكن في نفسه ، والمعلّق على الممكن ممكن ، لأنّ معنى التعليق أنّ المعلّق يقع على تقدير وقوع المعلّق عليه. والمحال في نفسه لا يقع على شيء من التقادير.
يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال مبني على أن يكون المراد من قوله سبحانه فإن استقر مكانه هو إمكان الاستقرار. ولا شكّ أنّه أمر ممكن ، ولكن الظاهر أنّ المراد هو استقراره بعد تجلّيه ، وهو بعد لم يستقر عليه ، بدليل قوله سبحانه : جعله دكاً وهذا نظير قولك : « أنا أعطيك هذا الكتاب إن صليت » والمراد قيام المخاطب بها بالفعل لا إمكان قيامه.
وبذلك يظهر أنّ ما حكاه صاحب الانتصاف عن أحمد بن حنبل لا يفيد القائلين بالرؤية ، فقد نقل عنه أنّ من حيل القدرية في إحالة الرؤية ما يقولون إنّه سبحانه علّق الرؤية على شرط محال وهو استقرار الجبل حال دكّه. والمعلّق على المحال محال. وهذه حيلة باطلة ، فإنّ المعلّق عليه استقرار الجبل من حيث هو استقرار ، وذلك ممكن جائز ، وحينئذ نقول : استقرار الجبل ممكن وقد علّق عليه وقوع الرؤية ، والمعلّق على الممكن ممكن. (١)
وغير خفي على النبيه أنّ المعلّق عليه ليس ما حكي عن المعتزلة ، وهو استقرار الجبل حال دكّه ، ولا ما ذهب إليه أحمد من إمكان الاستقرار ، بل
ــــــــــــــــــ
١ ـ الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال للإمام ناصر الدين أحمد بن محمد الاسكندري المالكي بهامش الكشاف : ١/٥٧٥.