(١٥)
عموم إرادته لكلّ شيء
إنّ من آرائه هو عموم إرادة الله سبحانه لكلّ شيء ، ويعد ذلك من المسائل الرئيسية في مذهبه ، وحاصله : أنّ كلّ ما في الكون من جواهر وأعراض حتى الإنسان وفعله ، مراد لله سبحانه ، تعلّقت إرادته بوجوده ، وليس شيء في صفحة الوجود خارجاً عن سلطان إرادته ، ولا يقع شيء من صغير وكبير إلاّ بإرادة منه سبحانه. ويقابل ذلك مذهب المعتزلة حيث جعلوا أفعال العباد خارجة عن حريم إرادته ، فإيمان العبد وكفره وعصيانه وإطاعته لم تتعلّق بها إرادته سبحانه ، وإنّما خلقه وفوض إليه إرادته. وإنّما اختلف المذهبان في عموم الإرادة وعدمه ، لأجل التحفّظ على عدله سبحانه والتخلّص عن الجبر وعدمهما ، فالأشعري ومن حذا حذوه لا يتحاشون عن الاعتقاد بالأصل أو الأُصول التي تساند الجبر وتستلزمه ، بناءً على ما أسّسه من كون الحسن ما حسّنه الشرع ، والقبح ما قبّحه الشارع ، وليس للعقل دور في تشخيص الحسن والقبح. وهذا بخلاف المعتزلة فإنّ للتحسين والتقبيح دوراً عظيماً في تكييف مذهبهم ، وعلى هذا الأساس ذهب الأشعري إلى عموم إرادته سبحانه لكلّ شيء من وجوده وفعله ، من غير فرق بين الإنسان وفعله ، سواء أوافق العدل أم خالفه ، استلزم الجبر أم لا.
وزعمت المعتزلة أنّ القول بعموم الإرادة يستلزم الجبر في أفعال البشر ، وهو ينافي عدله سبحانه. ولا معنى لأن يريد سبحانه كفر العبد وهو يأمر بالإيمان به ، ويعذبه على ما أراده منه ، وسيوافيك الكلام في استلزام عموم