من قوله بالاختيار ، بدليل أنّ عمر بن عبد العزيز سبق له أن جادله ولم يوقع عليه عقاباً ، ولعلّ من هذا أيضاً ما قيل عن معبد الجهني ، وجهم بن صفوان ، وأغلب الظن أنّهما قتلا لأسباب سياسية لا صلة لها باللدين. (١)
قال الراغب في محاضراته : خطب معاوية يوماً فقال : إنّ الله تعالى يقول : (وَمامِنْ شَيء إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَر مَعْلُوم) فلم نلام نحن؟ فقام إليه الأحنف فقال : إنّا لا نلومك على ما في خزائن الله ، ولكن نلومك على ما أنزل الله علينامن خزائنه ، فأغلقت بابك دونه يا معاوية. (٢)
« تأثير قدرة الإنسان في ترتّب العناوين على أفعاله ».
قد قام القاضي الباقلاني (٣) من أئمّة الأشاعرة بتفسير نظرية صاحب المنهج بشكل آخر ، وقال ما هذا حاصله : الدليل قد قام على أنّ القدرة الحادثة لا تصلح للإيجاد ، لكن ليست الأفعال أو وجوهها واعتباراتها تقتصر على وجهة الحدوث فقط ، بل هاهنا وجوه أُخر هي وراء الحدوث.
ثمّ ذكر عدّة من الجهات والاعتبارات وقال : إنّ الإنسان يفرّق فرقاً ضرورياً بين قولنا : أوجد ، وبين قولنا : صلّى وصام وقعد وقام. وكما لا يجوز أن تضاف إلى الباري تعالى جهة ما يضاف إلى العبد ، فكذلك لا يجوز أن تضاف إلى العبد ، جهة ما يضاف إلى الباري تعالى.
فأثبت القاضي تأثيراً للقدرة الحادثة ، وأثرها هو الحالة الخاصة ، وهو جهات من جهة الفعل ، حصلت نتيجة تعلّق القدرة الحادثة بالفعل ، وتلك الجهة هي المتعيّنة لأن تكون مقابلة بالثواب والعقاب ، فإنّ الوجود من حيث هو
ــــــــــــــــــ
١ ـ المغني : ٨/ هـ ، المقدّمة.
٢ ـ الكشكول لبهاء الدين العاملي : ٤٢٩ ، ط عام ١٣٢١ هـ. الحجرية.
٣ ـ القاضي أبو بكر الباقلاني ( المتوفّى عام ٤٠٣ هـ ) من مشاهير أئمّة الأشاعرة في بغداد ، وله تأليفات ، وقد طبع منها : ١ ـ التمهيد ، ٢ ـ الإنصاف في أسباب الخلاف ، ٣ ـ إعجاز القرآن.