إنّه تصدى للرد على المعتزلة ومهاجمتهم ، فلابدّ أن يلحن بمثل حجتهم ، وأن يتّبع طريقتهم في الاستدلال ، ليفلح عليهم ، ويقطع سباتهم ، ويفحمهم بما بين أيديهم ، ويرد حججهم عليهم.
إنّه تصدى للرد على الفلاسفة ، والقرامطة ، والباطنية ، والحشوية والروافض وغيرهم من أهل الأهواء الفاسدة والنحل الباطلة ، وكثير من هؤلاء لا يقنعه إلاّ أقيسة البرهان ، ومنهم فلاسفة علماء لا يقطعهم إلاّ دليل العقل ، ولا يرد كيدهم في نحورهم أثر أو نقل.
ولقد نال الأشعري منزلة عظيمة ، وصار له أنصار كثيرون ، ولقي من الحكام تأييداً ونصراً ، فتعقّب خصومه من المعتزلة والكفّار ، وأهل الأهواء في كلّ مكان ، وبث أنصاره في الأقاليم والجهات ، يحاربون خصوم الجماعة ومخالفيها ، ولقّبه أكثر العلماء بإمام أهل السنّة أو الجماعة.
ولكن مع ذلك بقي له من علماء الدين مخالفون منابذون ، فابن حزم يعدّه من الجبرية ، لرأيه في أفعال الإنسان (١) ، ويعده من المرجئة لرأيه في مرتكب الكبيرة (٢) ، وقد تعقّبه في غير هاتين المسألتين ، ولكن مع ذلك ذاب مخالفوه في لجة التاريخ الإسلامي ، واشتد ساعد أنصاره جيلاً بعد جيل ، وقويت كلمتهم وقد حذوا حذوه ، وسلكوا مسلكه ، وقاموا بما كان يقوم به هو والماتريدي من محاربة المعتزلة والملحدين ، ومنازلة لهم في كلّ ميدان من ميادين القول ، وكلّ باب من أبواب الإيمان ، ومذاهب اليقين.
ومن أبرزهم وأقواهم شخصية وأبينهم أثراً أبو بكر الباقلاني (٣) ، فقد كان عالماً كبيراً ، هذّب بحوث الأشعري ، وتكلّم في مقدمات البراهين العقلية للتوحيد ، فتكلم في الجوهر والعرض ، وأنّ العرض لايقوم بالعرض ، وأنّ
ــــــــــــــــــ
١ ـ الفصل في الملل والنحل : ٣/٢٢.
٢ ـ الفصل في الملل والنحل : ٤/٢٠٤.
٣ ـ مات الباقلاني سنة ٤٠٣ هـ.