ذهب إليه الأشعري ، هو أنّ الطائفة الأُولى تجريها على الله سبحانه بحرفيّتها من دون أي تصرف فيها ، ولكن الأشعري ومن لفّ لفّه يثبتونهاعلى الله بنفس معانيها لكن متقيدة باللاّ كيفية واللاّ تشبيه ، حتى يخرجوا من التجسيم والتشبيه وينسلكوا في أهل التنزيه. وليس هذا المعنى مختصاً به ، بل هناك من يوافقه من المتقدمين والمتأخرين ، يطلق عليهم أهل الإثبات أو المثبتة ، في مقابل المفوِّضة والمؤوِّلة والنفاة بتاتاً ، وإليك نقل ما أُثر عن غيره في هذا المجال ممّا يوافقه :
قال أبو حنيفة : وما ذكر الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس ، فهو له صفات بلا كيف ولا يقال انّ يده قدرته ونعمته ، لأنّ فيه إبطال الصفة ، وهذا قول أهل القدر والاعتزال ، ولكن يده صفته بلا كيف ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف.
وقال الشافعي : لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردّها ، ومن خالف بعد ثبوت الحجّة عليه كفر ، وأمّا قبل قيام الحجّة ، فإنّه يعذر بالجهل ؛ ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه ، فقال ب ـ ليس كمثله شيء.
وقال ابن كثير : وأمّا قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ، وإنّما نسلك مذهب السلف الصالح : مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبّهين منفي عن الله ، فإنّ الله لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس كمثله شيء (١).
يجب على كلّ مؤمن الإيمان بما وصف الله به نفسه ، وليس أحد أعرف به منه ( أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله ) كما أنّه ليس لأحد أن يصرف كلامه سبحانه ، عمّا
ــــــــــــــــــ
١ ـ راجع فيما نقلناه عن أبي حنيفة والشافعي وابن كثير« علاقة الإثبات والتفويض » : ٤٦ ـ ٤٩.