(أَفَلا يَتَدَبّرونَ القُرآنَ) (١).
إنّ أهل الإثبات بعامّة فروعه يرمون المعتزلة بالتعطيل ، ويصفونهم ب ـ « المعطّلة » لتعطيلهم ذاته سبحانه عن التوصيف بمحامد الأوصاف وجلائل النعوت ، غير أنّه يجب إلفات نظرهم إلى أنّ أهل التفويض من أهل الإثبات من المعطلة أيضاً ، لكن بملاك آخر ، وهو تعطيل العقول عن التفكّر في المعارف والأُصول ، كما عطّلوها عن التدبّر في الآيات والأحاديث ، فكأنّ القرآن ألغاز نزلت إلى البشر ، وليس كتابه هداية وتعليم وإرشاد ، قال تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلْيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء). (٢)
فإذا كان القرآن مبيناً لكلّ شيء ، فكيف لا يكون مبيّناً لنفسه ، وكيف يكون المطلوب نفس الاعتقاد من دون فهم معناه.
إنّ المنع عن التفكّر والتدبّر فيما نزل من الذكر الحكيم ، وما يحكم به العقل السليم محجوج بنص القرآن لا يقبل من أي إنسان ، والاستدلال عليه بقول الشاعر أخذ بنغمة الشاعر ، وترك لنص الباري :
نهاية إقدام العقول محال |
|
وأكثر سعي العالمين ضلال |
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا |
|
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا (٣) |
والعجب أنّ تعطيل العقول عن البحث والمعرفة أخذ في هذه الأعصار صبغة علمية مادية بحتة ، بحجة أنّ مبادئها ومقدّماتها ليست في متناول الباحثين ، لأنّها موضوعات وراء الحس والطبيعة ، ولا تعمل فيها حواس الإنسان ، فهذا هو السيد الندوي يتمسّك بهذا الوجه ، ويعد ترك البحث فضيلة ، والبحث عن المعارف القرآنية كفراناً للنعمة.
ــــــــــــــــــ
١ ـ النساء : ٨٢.
٢ ـ النحل : ٨٩.
٣ ـ منسوب إلى الرازي كما في شرح العقائد الطحاوية : ٢٢٧.