البحث عن تقدّم القدرة أو تقارنها لغواً ، وإن كانت لقدرة العبد عند خلق الأفعال من جانبه سبحانه فوائد وثمرات أُخرى فهي لا تمت إلى المقام بصلة.
٤ ـ الحقّ أن يقال : إنّ المسألة بديهية للغاية ، وما أُثير حولها من الشبهات ـ خصوصاً ما ذكره في « اللمع » ـ أشبه بالشبهات السوفسطائية ، إذ كلّ إنسان يحس من فطرته أنّه قادر على القيام قبل أن يقوم ، فالخلط حصل بين القدرة بمعنى الاستعداد لصدور الفعل ، والقدرة بمعنى ما لا ينفكّ عنه الفعل ويقترن به ، وكفى في ثبوت المسألة ، الفطرة الإنسانية أوّلاً ، وتقدّم قدرته سبحانه على فعله ثانياً.
وبذلك يظهر أنّ ما أقامه المعتزلة من البراهين على تقدّمها على الفعل تنبيهات على المسألة ، ولنعم ما قال المحقّق اللاهيجي : إنّ الدعوى ضرورية ، وهذه الوجوه تنبيهات عليها ، كيف والقطع حاصل بقدرة القاعد في وقت قعوده على القيام ، والقائم في حال قيامه على القعود بالوجدان. (١)
٥ ـ ثمّ إنّه ينبغي البحث عن الحافز أو الحوافز التي دعت الشيخ الأشعري إلى اختيار ذلك المذهب ، فإنّ القول بتقدّم القدرة على الفعل أو مقارنتها له ، لا يمس كرامة الدين والشريعة ولا النصوص الواردة فيها ، فما هو الداعي إلى اختيار القول بالتقارن ، بل التركيز عليه؟
ويحتمل أن يكون الداعي هو قوله : « إنّ أفعال العبد مخلوقة لله سبحانه لا للعباد ، لا أصالة ولا تبعاً ». والمناسب لتلك العقيدة حينئذ رفض القدرة المتقدمة للعبد على الفعل ، والاكتفاء بالمقارن لأجل تحقّق عنوان الطاعة والعصيان بالعزم عليهما.
وإلى ما ذكرنا أشار القاضي عبد الجبار فقال : ولعلّهم بنوا ذلك للّهعلى أنّ أحدنا لا يجوز أن يكون محدثاً لتصرّفه ، وأنّهم لما أثبتوا أنّ الله تعالى محدث على الحقيقة ، قالوا : إنّ قدرته متقدمة لمقدورها غير مقارنة له. (٢)
ــــــــــــــــــ
١ ـ الشوارق : ٤٤١.
٢ ـ شرح الأُصول الخمسة : ٣٩٦.