أحدهما : « المجالس المحفوظة في فنون الكلام » والثاني « العيون والمحاسن ». ولأجل إعطاء نموذج من مناظرات الشيخ المفيد وقوة عارضته ، نأتي بإحداها التي وقعت مع علي بن عيسى الرماني ( المتوفّى عام ٣٨٥ هـ ). فقد دخل الشيخ عليه والمجلس غاص بأهله ، فقعد حيث انتهى به المجلس ، فلمّا خف الناس قرب من الرماني ، فدخل عليه داخل وقال : إنّ بالباب إنساناً يؤثر الحضور ، وهو من أهل البصرة ، فأذن له فدخل فأكرمه ، وطال الحديث بينهما. فقال الرجل لعلي بن عيسى : ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال : أمّا خبر الغار فدراية ، وأمّا خبر الغدير فرواية ، والرواية لا توجب ما توجبه الدراية ، وانصرف البصري ولم يحر جواباً. فقال الشيخ للرماني : أيّها الشيخ مسألة؟ فقال : هات مسألتك؟ فقال : ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل؟ فقال : كافر ، ثمّ استدرك فقال : فاسق ، وعندئذ قال المفيد : ما تقول في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ؟ قال : إمام.
فقال : ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ فقال : تابا. فقال المفيد : أمّا خبر الجمل فدراية ، وأمّا خبر التوبة ، فرواية. فقال الرماني : هل كنت حاضراً وقد سألني البصري؟ فقال : نعم ، رواية برواية ودراية بدراية. (١)
فمن كان هذه مقدرته العلمية وقوة إفحامه للخصم ، فلا يتوسل بما يتوسل به العاجز عن المناظرة ، فما ذكره الخطيب أشبه بالمهزلة منه بالجد. كما أنّ ما نقله ابن عساكر من المنامات بعد موت القاضي أبي بكر أُمور لا يلتجىء إليها إلاّ من يفتقد الحقيقة في عالم الحس فيتطّلبها بالمنامات.
(٢)
أبو منصور عبد القاهر البغدادي ( المتوفّى ٤٢٩ هـ )
أبومنصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ، أحد العلماء البارزين في معرفة الملل والنحل ، وكتابه « الفرق بين الفرق » من الكتب المعروفة في هذا المجال ، ويعد سنداً وثيقاً لمعرفة المذاهب الإسلامية بعد كتاب
ــــــــــــــــــ
١ ـ مجموعة ورام : ٦١١.