واضحة تبتني عليها القضايا المجهولة العملية ، حتى يحصل الجزم بها ، ويرتفع الإبهام عن وجهها. ولأجل ذلك فالقائل بالتحسين والتقبيح العقليين في غنى عن التوسع في طرح أدلّة القائلين بالتحسين والتقبيح ، ولا نذكر إلاّ النزر اليسير ، وإليك بعض أدلّتهم :
الأوّل : ما أشار إليه المحقّق الطوسي بقوله : « ولانتفائهما مطلقاً لو ثبتا شرعاً » (١) مفاده : إنّه لو قلنا بأنّ الحسن والقبح يثبتان شرعاً يلزم من ذلك عدم ثبوتهما بالشرع أيضاً.
توضيحه : انّ الحسن والقبح لو كانا بحكم العقل ، بحيث كان العقل مستقلاً في إدراك حسن الصدق وقبح الكذب ، فلا إشكال في أنّ ما أمر به الشارع يكون حسناً ، وما نهى عنه يكون قبيحاً ، لحكم العقل بأنّ الكذب قبيح ، والشارع لا يرتكب القبيح ، ولا يتصور في حقّه ارتكابه.
وأمّا لو لم يستقل العقل بذلك ، فلو أمر بشيء أو نهى عنه أو أخبر بحسن الصدق وقبح الكذب فلا يحسن لنا الجزم بكونه صادقاً في كلامه ، حتى نعتقد بمضمونه ، لاحتمال عدم صدق الشارع في أمره أو إخباره ، فإنّ الكذب حسب الفرض لم يثبت قبحه بعد ، حتى لو قال الشارع بأنّه لا يكذب ، لم يحصل لنا اليقين بصدقه حتى في هذا الإخبار ، فيلزم على قول الأشعري أن لا يتمكن الإنسان من الحكم بحسن شيء لا عقلاً ولا شرعاً.
وإن شئت قلت : لو لم يستقل العقل بحسن بعض الأفعال وقبح بعضها الآخر ، كالصدق والكذب ، فلا يستقل بقبح صدور الكذب من الله سبحانه. فإذا أخبرنا عن طريق أنبيائه بأنّ الفعل الفلاني حسن أو قبيح لم نجزم بصدق كلامه لتجويز الكذب عليه.
ثمّ إنّ الفاضل القوشجي الأشعري أجاب عن هذا الاستدلال بقوله :
ــــــــــــــــــ
١ ـ كشف المراد : ١٨٦.