قبيح » و « جزاء الإحسان بالإحسان حسن وبالإساءة قبيح ». فهذه القضايا قضايا أوّلية في الحكمة العملية ، والعقل يدركها من ملاحظة القضية بنفسها ، وفي ضوئها يحكم بما ورد في مجال العقل العملي من الأحكام المربوطة بالأخلاق أوّلاً ، وتدبير المنزل ثانياً ، وسياسة المدن ثالثاً ، التي يبحث عنها في العقل العملي. وليس استقلال العقل في تلك القضايا الأوّلية الراجعة إلى العقل العملي إلاّ لأجل أنّه يجدها إمّا ملائمة للجانب العالي من الإنسانية ، المشترك بين جميع أفراد الإنسان ، أو منافرة له. وبذلك تصبح قضية التحسين والتقبيح في قسم من الأفعال ، قضية كلية لا تختص بزمان دون زمان ، ولا جيل دون جيل. بل لا تختص ـ في كونها كمالاً أو نقصاً ـ بالإنسان ، بل تعم الموجود الحي المدرك المختار ، لأنّ العقل يدركها بصورة قضية عامة شاملة لكلّ من يمكن أن يتصف بهذه الأفعال ، كالعدل والظلم فهو يدرك أنّ الأوّل حسن عن الجميع ومن الجميع ، والثاني قبيح كذلك ، وليس للإنسان خصوصية في ذلك القضاء.
وبذلك يصبح المدعي للتحسين والتقبيح العقليين الذاتيين في غنى عن البرهنة لما يتبنّاه ، كما أنّ المدعي لامتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما كذلك.
والعجب أنّ الحكماء والمتكلّمين اتّفقوا على أنّه يجب انتهاء القضايا النظرية في العقل النظري إلى قضايا بديهية ، وإلاّ عقمت الأقيسة ولزم التسلسل في مقام الاستنتاج ، ولكنّهم غفلوا عن إجراء ذلك الأصل في جانب العقل العملي ، ولم يقسموا القضايا العملية إلى فكرية وبديهية ، أو نظرية وضرورية ، كيف والاستنتاج والجزم بالقضايا الواردة في مجال العقل العملي لا يتم إذا انتهى العقل إلى قضايا واضحة في ذلك المجال.
فالمسائل المطروحة في الأخلاق ، التي يجب الاتصاف بها والتنزّه عنها ، أو المطروحة في القضايا البيتية والعائلية التي يعبر عنهاب تدبير المنزل ، أو القضايا المبحوث عنها في علم السياسة وتدبير المدن ، ليست في الوضوح على نمط واحد ، بل لها درجات ومراتب.
فلا ينال العقل الجزم بكلّ القضايا العملية إلاّ إذا كانت هناك قضايا بديهية