الحنابلة المتزمّتين الذين كانوا يرون الخوض في هذه المباحث نوعاً من الزيغ والضلال.
ولأجل ذلك تفترق كتب الشيخ الأشعري وتلاميذ منهج هـ ممن أتوا بعده كالقاضي أبي بكر الباقلاني ، وعبد القاهر البغدادي ، وإمام الحرمين أبي المعالي الجويني ـ عن كتب الحنابلة المتعبّدين بظواهر النصوص. وقد عزلوا العقل عن الرسالة المودعة له ، حتى في الكتاب والسنّة.ولوجود هذا التفاوت ظل المذهب الأشعري غير مقبول عند الحنابلة في فترات من الزمن.
ولأجل ذلك ترى أنّ الأشعري بحث عن كثير من العقليات والحسيات التي لا صلة لها بالعقيدة والديانة ، لمّا وجد أنّ المعتزلة والفلاسفة بحثوا عنها بلسان ذلق وذكاء بارز ، وترى أنّ الجزء الثاني من كتاب « مقالات الإسلاميين » يبحث عن الجسم والجواهر ، والجوهر الفرد ، والطفرة والحركة والسكون ، إلى غير ذلك من المباحث التي يبحث عنها في الفلسفة فى الأُمور العامة ، وفي قسم الطبيعيات.
ومع أنّ الإمام الأشعري أعطى للعقل مجالاً خاصاً في باب العقائد أخذ ينكر التحسين والتقبيح العقليّين ولا يعترف بهما.
وبذلك افترق عن منهج الاعتزال والعدلية بكثير ، واقترب من منهج أهل الحديث ، وقد سمعت أنّه رقي كرسياً في جامع البصرة ونادى بأعلى صوته أنّه كان يقول بالعدل وقد انخلع منه.
والخسارة التي توجهت إلى المذهب الكلامي الأشعري من تلك الناحية لا تجبر أبداً ، كما سيوافيك بيانه عند عرض آرائه.
ربما يتخيل القارئ من إنابة الأشعري إلى مذهب أهل الحديث أنّه لجأ إلى عقيدة المحدّثين ( وفيهم أهل التنزيه والتقديس ، وفيهم أهل التشبيه والتجسيم ) وقبل ذلك المنهج بلا تغيير ولا تصرف ، ويقوى ذلك التخيّل إذا اطّلع على ما ذكره في مقدمة كتاب « الإبانة » ، حيث إنّه يصرح فيها بأنّه على