إنّ الأشعري هو خريج منهج المعتزلة وتلميذ شيخها أبي علي الجبّائي ، ومع ذلك ينقل ابن عساكر عن أحمد بن الحسين المتكلم أنّه قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : إنّ الشيخ أبا لحسن رحمهالله لما تبحّر في كلام الاعتزال وبلغ غايته ، كان يورد الأسئلة على أُستاذه في الدرس ولا يجد جواباً شافياً ، فيتحيّر في ذلك (١) ، وقد حفظ التاريخ بعض مناظراته مع أُستاذه أبي علي الجبائي ، فنكتفي ببعضها :
المناظرة الأُولى
ـ الأشعري : أتوجب على الله رعاية الصلاح أو الأصلح في عباده؟
ـ أبو علي : نعم.
ـ الأشعري : ماتقول في ثلاثة إخوة : أحدهم كان مؤمناً برّاً تقياً ، والثاني كان كافراً فاسقاً ، والثالث كان صغيراً فماتوا ؛ كيف حالهم؟
ـ الجبائي : أمّا الزاهد ففي الدرجات ، وأمّا الكافر ففي الدركات ، وأمّا الصغير ففي أهل السلامة.
ـ الأشعري : إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟
ـ الجبائي : لا ، لأنّه يقال له : إنّ أخاك إنّما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته الكثيرة ، وليس لك تلك الطاعات.
ـ الأشعري : فإن قال ذلك الصغير : التقصير ليس منّي ، فإنّك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة.
ـ الجبائي : يقول الباري جلّوعلا : كنت أعلم أنّك لو بقيت لعصيت ، وصرت مستحقاً للعذاب الأليم ، فراعيت مصلحتك.
ــــــــــــــــــ
١ ـ التبيين : ٣٨.