ـ الأشعري : لو قال الأخ الكافر : يا إله العالمين ، كما علمت حاله فقد علمت حالي ، فلم راعيت مصلحته دوني؟
ـ الجبائي : إنّك مجنون.
ـ الأشعري : لا بل وقف حمار الشيخ في العقبة!!
ثمّ إنّ ابن خلّكان لمّا كان أشعرياً في الكلام ، استغل هذه المناظرة لمذهبه وقال : هذه المناظرة دالة على أنّ الله تعالى خصّ من شاء برحمته ، وخصّ آخر بعذابه ، وأنّ أفعاله غير معللة بشيء من الأغراض. (١)
أقول : إنّ تنزيه أفعاله سبحانه عن اللغو والعبث ممّا دلّ عليه العقل والنقل. ولو اعتزل الأشعري عن إدراك ما يحكم به العقل السليم فليس له مناص عن سماع كلام ربّ العزّة ، قال سبحانه : الّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيء خَلَقَهُ وَبَدَأ خَلْقَالإِنْسانِ مِنْ طين (٢). وقال عزّ من قائل : أَفَحَسِبْتُمْ أَنّما خَلْقْناكُمْ عَبثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات النافية للعبث واللغو عن ساحته.
ومعنى القاعدة : أنّ أفعال هـ على الإطلاق ـ غير منفكة عن الأغراض والمصالح التي ترجع إلى نفس العباد دون خالقهم. ثمّ إنّ قسماً كبيراً من الحكم والمصالح المرعيّة ظاهر غير خفي ، يقف عليه الإنسان بالتأمّل والتروّي ، وقسماً منها خفيّ غير بارز لا يكاد يقف عليه الإنسان لقلة علمه وضالّة دركه ، قال سبحانه : ( وَما أُوتيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَليلاً )(٤) ، وقال عزّ من
ــــــــــــــــــ
١ ـ وفيات الأعيان : ٤/٢٦٧ ـ ٢٦٨رقم الترجمة ٦٠٧ ، ونقله السبكي في طبقات الشافعية : ٢/٢٥٠ ـ ٢٥١ مع اختلاف يسير ، كما نقله في الروضات : ٥/٢٠٩ عن صلاح الدين الصفدي في كتابه : الوافي بالوفيات.
٢ ـ السجدة : ٧.
٣ ـ المؤمنون : ١١٥.
٤ ـ الإسراء : ٨٥.