والمناسبات ، وهي نفس نظرية الأشعري حيث يرى أنّه لا تأثير للقدرة الحادثة في الأحداث ، وإنّما جرت سنّة الله بأن يلازم بين الفعل المحدث وبين القدرة المحدثة ( بالكسر ) له إذا أراد العبد وتجرد له ، ويسمّى هذا الفعل كسباً. فيكون خلقاً من الله ، وكسباً من العبد ، عندما يقع في متناول قدرته واستطاعته ، من غير تعلّقه عليه ». (١)
وقد نقل ذكاء الملك نظرية ذلك الفيلسوف الفرنسي في موسوعته الفلسفية. وهي تبتني على إنكار قانون العلية والمعلولية بين الأشياء ، وأنّ كلّ ما يعدّ علّة لشيء فهو من باب المقارنة. فلو رأينا أنّ جسماً يحرك جسماً آخر ، فذلك إدراك سطحي ، والمحدث هو الله سبحانه ، وتلاقي الجسمين ظرف لقيامه بالتحريك ، ومثله تحريك النفس عضواً من أعضاء البدن ، فالمحرك هو الله سبحانه وارادة النفس ظرف ومحلّ لظهور فعله سبحانه. (٢)
ولا نعلّق على هذه النظرية سوى القول بأنّها مخالفة للبراهين الفلسفية القائمة على وحدة حقيقة الوجود في جميع المراتب ، واختلافها بالشدة والضعف ، فعندئذ لا معنى لأن يختص التأثير ببعض المراتب دون آخر مع الوحدة في الحقيقة.
إنّ إنكار التأثير على وجه الإطلاق بين الظواهر الطبيعية وما فوقها يخالف البرهان العقلي الفلسفي أوّلاً ، وصريح الذكر الحكيم ثانياً ، والفطرة السليمة الإنسانية ثالثاً ، والتفصيل في الجهات الثلاث موكول إلى محله.
« الاعتراف بتأثير قدرة العبد في طول قدرة الله ».
إنّ الأشاعرة ، وإن أصرّوا على نظريتهم في أفعال العباد طوال قرون ، ولم يتجاوزوا ما رسمه لهم شيخهم في هذه المسألة إلاّ شيئاً يسيراً ، كما عرفته عند
ــــــــــــــــــ
١ ـ القضاء والقدر للكاتب المصري عبد الكريم الخطيب : ١٨٢.
٢ ـ سير الحكمة في أُوروبا : ٢/٢٤ ـ ٢٥.