أضف إلى ذلك : أنّ الاستدلال مبني على كون قبح الكذب وحسن الصدق ، كقبح الظلم وحسن العدل ، ذاتيين لا يتغيران ، لا على القول بأنّ الأفعال بالنسبة إلى الحسن والقبح على أقسام. منها ما يكون الفعل علّة تامة لأحدهما ، فلا يتغير حسنه ولا قبحه بعروض العوارض لحسن الإحسان وقبح الإساءة ، ومنها ما يكون مقتضياً لأحدهما ، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر ، وهكذا في جانب القبح. وحسن الصدق وقبح الكذب من هذا القبيل. ومنها ما لا يكون علّة ولا مقتضياً لأحدهما كالضرب ، جزاءً أو إيذاءً.
ثمّ إنّ لنفاة الحسن والقبح العقليين دلائل واهية لا تليق أن تطرح على بساط البحث ، فلنضرب صفحاً عنها.
إلى هنا تم استعراض أدلّة المنكرين للحسن والقبح العقليين ، فيناسب ـ تكميلاً للبحث ـ استعراض أدلّة المثبتين وهو يتوقف على تبيين ما هو الملاك عند العقل للحكم بأنّ الفعل الكذائي حسن أو قبيح ، ولنقدم البحث في ذلك ، ثمّ نتبعه بذكر براهين المثبتين.
إنّ الملاك لقضاء العقل هو أنّه يجد بعض الأفعال موافقاً للجانب الأعلى من الإنسان والوجه المثالي في الوجود البشري ، كما يجد بعضها الآخر غير موافق معه ، وإن شئت قلت : إنّه يدرك أنّ بعض الأفعال كمال للموجود الحي المختار ، وبعضها الآخر نقص له ، فيحكم بحسن الأوّل ولزوم الاتصاف به ، وقبح الثاني ولزوم تركه.
توضيح ذلك : أنّ الحكماء قسّموا العقل إلى عقل نظري وعقل عملي ، فقد قال المعلم الثاني : « إنّ النظرية هي التي بها يجوز الإنسان علم ما ليس من شأنه يعمله إنسان والعملية هي التي يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الإنسان بإرادته ».
قال الحكيم السبزواري في توضيحه : إنّ العقل النظري والعقل