والضابط في ذلك أنّ مالا يتوقف التصديق به على واسطة سوى تصور الطرفين فهو أبده من غيره ، وذلك مثل الأوّليات ، وهكذا.
فلو صحّ ما ذكره الأشاعرة من الملازمة ، لزم أن لا تكون الحدسيات من اليقينيات.
وباختصار : إنّ العلوم اليقينية ، مع كثرتها ، ليست على نمط واحد ، بل لها مراتب ودرجات ، وهذا شيء يلمسه الإنسان إذا مارس علومه ويقينياته.
٣ ـ لو كان الحسن والقبح عقليّين لما تغيّرا
إنّ الحسن والقبح لو كانا عقليين لمّا اختلفا ، أي لما حسن القبيح ولما قبح الحسن. والتالي باطل ، فإنّ الكذب قد يحسن والصدق قد يقبح. وذلك فيما إذا تضمّن الكذب إنقاذ نبي من الهلاك ، والصدق إهلاكه.
وباختصار : لو كان الكذب قبيحاً لذاته لما كان واجباً ولا حسناً عندما توقفت عليه عصمة دم نبي عن ظالم يقصد قتله.
وأجاب عنه المحقّق الطوسي بقوله : « وارتكاب أقلّ القبيحين مع إمكان التخلّص ». (١)
توضيحه : أنّ الكذب في الصورة الأُولى على قبحه ، وكذاالصدق على حسنه ، إلاّ أنّ ترك إنقاذ النبي أقبح منه ، فيحكم العقل بارتكاب أقل القبيحين تخلّصاً من ارتكاب الأقبح. على أنّه يمكن التخلص عن الكذب بالتعريض ( أي التورية ).
وباختصار : إنّ تخليص النبي أرجح من حسن الصدق ، فيكون تركه أقبح من الكذب ، فيرجح ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة ، على الصدق.
ـــــــــــــــــ
١ ـ كشف المراد : ١٨٧.