من جانب العقل ، بل الله ، بحكم أنّه حكيم ، التزم وكتب على نفسه أن لا يخلّ بالحسن ولا يفعل القبيح ، وليس دور العقل هنا إلاّ دور الكشف والتبيين بالنظر إلى صفاته وحكمته.
وباختصار : إنّ فعله سبحانه ـ مع كون قدرته عامة ـ ليس فوضوياً ، ومتحرّراً عن كلّ سلب وإيجاب ، وليس التحديد مفروضاً عليه سبحانه من ناحية العقل ، وإنّما هو واقعية وحقيقة يكشف عنها العقل ، كما يكشف عن القوانين السائدة على الطبيعة والكون. فتصور أنّ فعله سبحانه متحرر من كلّ قيد وحدّ ، بحجّة حفظ شأن الله سبحانه وسعة قدرته ، أشبه بالمغالطة ، فإنّ حفظ شأنه سبحانه غير فرض انحلال فعله عن كلّ قيد وشرط.
وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف ما استدلّ به القائلون بنفي التحسين والتقبيح العقليّين ، ولا بأس بالإشارة إلى بعض أدلّتهم التي أقامها المتأخّرون عن أبي الحسن الأشعري.
٢ ـ لو كان التحسين والتقبيح ضرورياً لما وقع الاختلاف
قالوا : « لو كان العلم بحسن الإحسان وقبح العدوان ضرورياً لما وقع التفاوت بينه وبين العلم بأنّ الواحد نصف الاثنين ، لكن التالي باطل بالوجدان ».
وأجاب عنه المحقّق الطوسي بقوله : « ويجوز التفاوت في العلم لتفاوت التصور ». (١)
توضيحه : أنّه قد تتفاوت العلوم الضرورية بسبب التفاوت في تصور أطرافها. وقد قرر في صناعة المنطق أنّ للبديهيات مراتب ، فالأوّليات أبدَهُ من المشاهدات بمراتب ، والثانية أبده من التجريبيات ، والثالثة أبده من الحدسيات ، والرابعة أبده من المتواترات ، والخامسة أبده من الفطريات.
ــــــــــــــــــ
١ ـ كشف المراد : ١٨٦ ـ ١٨٧ ، ط صيدا.