هذه هي النظريات المطروحة حول قدرة العبد على الكسب ، وقدعرفت أنّ في الجميع إبهاماً وإجمالاً ، ولا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا تحل بها عقدة الجبر. وقد بلغت نظرية الكسب من الإبهام إلى حدّ عدّت من إحدى المبهمات الثلاثة التي لم يقف أحد على حقيقتها. وفي ذلك يقول الشاعر :
مما يقال ولا حقيقة عنده |
|
معقولة تدنو إلى الأفهام |
الكسب عند الأشعري والحال |
|
عند البهشمي وطفرة النظام (١) |
فعد الشاعر نظرية الكسب في إحاطة الإبهام بها في عداد نظرية « الحال » عند المعتزلة و« الطفرة » عند النظام. وهذا دليل على قصور النظرية وعدم كفايتها لحلّ العقدة ، وهناك كلام متين للقاضي عبد الجبار نأتي بنصه :
قال : إنّ فساد المذهب يعلم بأحد طرفين :
أحدهما : بأن يتبيّن فساده بالدلالة.
والثاني : بأن يتبيّن أنّه غير معقول في نفسه ، وإذا تبيّن أنّه غير معقول في نفسه كفيت نفسك مؤونة الكلام عليه ، لأنّ الكلام على ما لا يعقل لا يمكن... والذي يبيّن لك صحّة ما نقوله أنّه لو كان معقولاً لكان يجب أن يعقله مخالف المجبرة في ذلك ، من الزيدية والمعتزلة والخوارج والإمامية. فإنّ دواعيهم متوفرة ، وحرصهم شديد في البحث عن هذا المعنى ، فلمّ في واحد من هذه الطوائف ، على اختلاف مذاهبهم ، وتنائي ديارهم ، وتباعد أوطانهم ، وطول مجادلتهم في هذه المسألة ، من ادّعى أنّه عقل هذا المعنى أو ظنه أو توهّمه ، دلّ على أنّ ذلك ممّا لا يمكن اعتقاده والإخبار عنه ألبتة.
وممّا يدلّ على أنّ الكسب غير معقول ، هو أنّه لو كان معقولاً لوجب ـ كما عقله أهل اللغة وعبروا عن هـ أن يعقله غيرهم من أهل اللغات ، وأن يضعوا له عبارة تنبئ عن معناه. فلمّا لم شيء من اللغات ما يفيده هذه الفائدة ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ القضاء والقدر لعبد الكريم الخطيب : ١٨٥.