العلم الكامل الذي لا يقصر عن شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا فيما كان وما يكون. (١)
ثمّ إنّ القول بالقدر السالب للاختيار من الإنسان والسائد على قدرته ومشيئته سبحانه ممّا جعل ذريعة للطعن على الشريعة ، وقد جاء الطعن لبعض المعتزلة في ما أنشأه وقال :
أيا علماءَ الدين ذِمِّيُّ دينكم |
|
تحيّر ، دلّوه بأوضح حجة |
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم |
|
ولم يرض منّي فما وجه حيلتي؟ |
دعاني وسد الباب عني فهل إلى |
|
دخولي سبيل بيّنوا لي قضيتي |
قضى بضلالي ثمّ قال أرض بالقضا |
|
فها أنا راض بالذي فيه شقوتي! |
فإن كنت بالمقضيّ يا قوم راضياً |
|
فربي لا يرضى لشؤم بليتي |
وهل لي رضى ما ليس يرضاه سيدي؟ |
|
وقد جرت دلّوني على كشف حيرتي |
إذا شاء ربّي الكفر مني مشيئة |
|
فها أنا راض باتّباع المشيئة |
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه |
|
فبالله فاشفعوا بالبراهين حجّتي (٢) |
وقد مال يميناً وشمالاً كلّ من فسر القضاء والقدر بسلب الاختيار حتى يجيبوا عن شبهة هذا المتظاهر بالذمية ، وقد أجاب عنه علاء الدين الباجي بنظمه وقال :
فكن راضياً نفس القضاء ولا تكن |
|
بمقضي كفر راضياً ذا خطيئة |
وحاصل هذا الجواب ، أنّ الواجب الرضا بالتقدير لا بالمقدر ، وكلّ تقدير يرضى به لكونه من قبيل الحقّ ، ثمّ المقدور وينقسم إلى ما يجب الرضى به كالإيمان ، وإلى ما يحرم الرضى به كالكفر ، إلى غير ذلك.
وأنت خبير بأنّ هذا الجواب لا يسمن ولا يغني من جوع ، إذ أي معنى للتفريق بين القدر والمقدر؟! فإنّ التقدير لو كان سالباً للاختيار فالرضى بالتقدير رضى بالمقدر أيضاً.
ــــــــــــــــــ
١ ـ تفسير القرآن الكريم ، للأُستاذ الشيخ شلتوت : ٢٤٠ ـ ٢٤٢.
٢ ـ طبقات الشافعية : ١٠/٣٥٢ ، والقائل أنشأ الشعر من جانب الذمّي لئلاّ يؤخذ به ، ويقتل بسيف القضاء.