التبيين. (١)
وكتب الأُستاذ أبو القاسم القشيري رسالة مفتوحة إلى العلماء الأعلام بجميع بلاد الإسلام عام ست وأربعين وأربعمائة ، يشكو فيها عمّا حلّ بأبي الحسن الأشعري والأشاعرة من المحنة. ابتدأ رسالته بقوله :
الحمد لله المجمل في بلائه ، المجزل في عطائه ، العدل في قضائه ، والمكرم لأوليائه ، المنتقم من أعدائ هـ إلى أن قال ـ : هذه قصة سميناها « شكاية أهل السنّة بحكاية ما نالهم من المحنة » تخبر عن بثّة مكروب ونفثة مغلوب... إلى أن قال :
وممّا ظهر ببلاد نيسابور من قضايا التقدير في مفتتح سنة خمس وأربعين وأربعمائة من الهجرة ما دعا أهل الدين إلى شق صدور صبرهم ، وكشف قناع ضيرهم ، بل ظلت الملة الحنيفية تشكو غليلها ، وتبدي عويلها ، وتنصب عزالي رحمهالله على من يستمع شكوها ، وتصغي ملائكة السماء حتى تندب شجوها. ذلك ممّا أحدث من لعن إمام الدين ، وسراج ذوي اليقين ، محيي السنّة ، وقامع البدعة ، وناصر الحقّ ، وناصح الخلق ، الزكي الرضي ، أبي الحسن الأشعري ، قدس الله روحه وسقى بالرحمة ضريحه ، وهو الذي ذب عن الدين بأوضح حجج ، وسلك في قمع المعتزلة ، وسائر أنواع المبتدعة أبين منهج. واستنفد عمره في النضح عن الحق ، فأورث المسلمين وفاته كتبه الشاهدة بالصدق. (٢)
ومن لطيف ما جاء في تلك الرسالة قوله : وما نقموا من الأشعري إلاّ أنّه قال بإثبات القدر لله ، خيره وشره ، ونفعه وضره ، وإثبات صفات الجلال لله ، من قدرته ، وعلمه ، وإرادته ، وحياته ، وبقائه ، وسمعه ، وبصره ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ طبقات الشافعية : ٣/٣٨٩ ـ ٣٩٩ ـ ولكن الكتاب غير موجود فيما طبع من تبيين كذب المفتري ، وقد تفحصناه وما وجدناه فيه.
٢ ـ طبقات الشافعية : ٣/١ ـ ٤ ، والرسالة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.