العملي من شأنهما التعقّل ، لكن النظري ، شأنه العلوم الصرفة غير المتعلّقة بالعمل ، مثل : « الله موجود واحد » ، و« أنّ صفاته عين ذاته » ونحو ذلك ، والعملي شأنه العلوم المتعلّقة بالعمل مثل : « التوكّل حسن » و« الرضى والتسليم والصبر محمودة ». وهذا العقل هو المستعمل في علم الأخلاق ، فليس العقلان كقوتين متباينتين أوكضميمتين ، بل هما كجهتين لشيء واحد وهو الناطقة. (١)
ثمّ ، كما أنّ في الحكمة النظرية قضايا نظرية تنتهي إلى قضايا بديهية ، ولولا ذلك لعقمت القياسات وصارت غير منتجة ، فهكذا في الحكمة العملية ، قضايا غير معلومة لا تعرف إلاّ بالانتهاء إلى قضايا ضرورية ، وإلاّ لما عرف الإنسان شيئاً من قضايا الحكمة العملية ، فكما أنّ العقل يدرك القضايا البديهية في الحكمة النظرية من صميم ذاتها ، فهكذا يدرك بديهيات القضايا في الحكمة العملية من صميم ذاتها بلا حاجة إلى تصور شيء آخر.
مثلاً : إنّ كلّ القضايا النظرية يجب أن تنتهي إلى قضية امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، بحيث لو ارتفع التصديق بها لما أمكن التصديق بشيء من القضايا ، ولذا تسمى ب ـ « أُمّ القضايا » ؛ مثلاً : لا يحصل اليقين بأنّ زوايا المثلث تساوي زاويتين ، قائمتين ، إلاّ إذاحصل قبله امتناع صدق نقيض تلك القضية ، أي عدم مساواتها لهما ، وإلاّ فلو احتمل صدق النقيض لما حصل اليقين بالنسبة. ولأجل ذلك اتّفقت كلمة الحكماء على أنّ إقامة البرهان على المسائل النظرية إنّما تتم إذا انتهى البرهان إلى أُمّ القضاياالتي قد عرفت ، وعلى ضوء هذا البيان نقول : كما أنّ للقضايا النظرية في العقل النظري قضايا بديهية أو قضايا أوّلية تنتهي إليها ، فهكذا القضايا غير الواضحة في العقل العملي يجب أن تنتهي إلى قضايا أوّلية وواضحة عند ذلك العقل ، بحيث لو ارتفع التصديق بهذه القضايا في الحكمة العملية لما صحّ التصديق بقضية من القضايا فيها.
فمن تلك القضايا البديهية في العقل العملي مسألة التحسين والتقبيح العقليين الثابتين لجملة من القضايا ، مثل قولنا : « العدل حسن » و « الظلم
ــــــــــــــــــ
١ ـ تعليقات الحكيم السبزواري على شرح المنظومة : ٣١٠.