على السلطان لعن المبتدعة على المنابر ، فصدر الأمر بذلك ، واتخذ عميد الدين ذلك ذريعة إلى ذكر الأشعرية ، وصار يقصدهم بالإهانة والأذى والمنع عن الوعظ والتدريس ، وعزلهم عن خطابة الجامع ، واستعان بطائفة من المعتزلة الذين زعموا أنّهم يقلدون مذهب أبي حنيفة ، فحببوا إلى السلطان الإزراء بمذهب الشافعي عموماً ، وبالأشعرية خصوصاً ، وهذه هي الفتنة التي طار شررها فملأ الآفاق ، وطال ضررها فشمل خراسان والشام والحجاز والعراق ، وعظم خطبها وبلاؤها ، وقام في سب أهل السّنة ( الأشاعرة ) خطيبها وسفهاؤها ، إذ أدّى هذا الأمر إلى التصريح بلعن أهل السنّة في الجُمَع ، وتوظيف سبهم على المنابر ، وصار لأبي الحسن الأشعري بها أُسوة لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه في زمن بعض بني أُمية ، حيث استولت النواصب على المناصب ، واستعلى أُولئك السفهاء في المجامع والمراتب.
وكان في بلدة نيسابور رجلاً جواداً ذا أموال جزيلة وصدقات دارّة وهبات هائلة يسمى أبا سهل الموفق ، فشمّر عن ساعد الجد ، وتردد إلى العسكر في دفع ذلك ، وما أفاد شيء من التدبير ، إذ كان الخصم الحاكم ، والسلطان محجباً إلاّ بواسطة ذلك الوزير ، ثمّ جاء الأمر من قبل السلطان طغرل بك بالقبض على الرئيس الفراتي ، والأُستاذ أبي القاسم القشيري ، وإمام الحرمين ، وأبي سهل بن الموفق ، ونفيهم ومنعهم عن المحافل ، وكان أبو سهل غائباً إلى بعض النواحي ولما قرئ الكتاب بنفيهم ، أُغري بهم الغاغة والأوباش ، فأخذوا بالأُستاذ أبي القاسم القشيري ، والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما ، وحبسا بالقهندر.
وأمّا إمام الحرمين ، فإنّه كان أحس بالأمر واختفى ، وخرج على طريق كرمان إلى الحجاز ، ومن ثمّ جاور وسمّي إمام الحرمين ، وبقي القشيري والفراتي مسجونين أكثر من شهر ، فتهيأ أبو سهل بن الموفق من ناحية باخرز وجمع من أعوانهم رجالاً عارفين بالحرب ، وأتى باب البلد وطلب إخراج الفراتي
ـــــــــــــــــ
يكون معتزلي المبدأ ، ورافضي العقيدة ، وفي الوقت نفسه قائلاً بالتشبيه والتجسيم ، وهل هذا إلاّ كالاعتقاد بالنقيضين؟!