٥ ـ الخاتمية
إنّ استقلال العقل بالتحسين والتقبيح ، بالمعنى الذي عرفت من الملاءمة للفطرة العلوية أو المنافرة لها ، أساس الخاتمية ، وبقاء أحكام الإسلام وخلودها إلى يوم القيامة. فإنّ الحكم بالحسن والقبح ـ على ما عرفت ـ ليس إلاّكون الشيء موافقاً للفطرة العلوية أو منافراً لها. وبما أنّ الفطرة مشتركة بين جميع الأفراد ، فيصبح ما تستحسنه الفطرة أو تستقبحه خالداً إلى يوم القيامة.ولأجل ذلك لا يتطرق التبدل والتغيّر إلى أحكامه وإن تبدّلت الحضارات وتطورت المدنيات ، فإنّ تبدلها لا يمس فطرة الإنسان ولا يغير جبلّته.
٦ ـ لزوم بعث الأنبياء
إنّ مسألة لزوم إرسال الرسل تبتني على تلك المسألة ، فالعقل يدرك بأنّ الإنسان لم يخلق سدى ، بل خلق لغاية ، ولا يصل إليها إلاّ بالهداية التشريعية الإلهية. فيستقل بلزوم بعث الدعاة من الله لهداية البشر دفعاً للّغو.
٧ ـ ثبات الأخلاق أو تطورها
إنّ مسألة ثبات الأخلاق في جميع العصور والحضارات أو تبدّلها تبعاً لاختلافها ، ممّا طرحت مؤخراً عند الغربيين ، ودارت حولها مناقشات وأبديت فيها الآراء. فمن قائل بثبات أُصولها ، ومن قائل بتبدّلها وتغيّرها حسب الأنظمة والحضارات. ولكن المسألة لا تنحل إلاّ في ضوء التحسين والتقبيح العقليين ، الناشئين من قضاء الجبلة الإنسانية العالية ، فعند ذلك تتسم أُصول الأخلاق بسمة الثبات والخلود ، في ضوء ثبات الفطرة ، وأمّا ما يتغير بتغير الحضارات ، فإنّما هو العادات والتقاليد العرفية.
خذ على ذلك مثلاً« إكرام المحسن » فإنّه أمر يستحسنه العقل ويضفي عليه سمة الخلود ، وليس هذا الحكم متغيراً أبداً ، وإنّما المتغير وسائل الإكرام وكيفياته ، فإذاً الأُصول ثابتة ، والعادات والتقاليد متغيّرة ، وليست الأخيرة إلاّ ثوباً للأُصول.