فإذا كان المقصود من المقابل أنّ الطائفة العاصية تظن وتتوقع أن ينزل بها عذاب يكسر فقارها ، ويقصم ظهرها ، يكون المراد من عدله وقرينه عكسه وضدّه ، وليس هو إلاّ أنّ الطائفة المطيعة تكون مستبشرة برحمته ، ومتوقعة لفضله وكرمه ، لا النظر إلى جماله وذاته وهويته ، وإلاّ لخرج المقابلان عن التقابل وهو خلف.
وبعبارة أُخرى : يجب أن يكون المقابلان ـ بحكم التقابل ـ متحدي المعنى والمفهوم ، ولا يكونا مختلفين في شيء سوى النفي والإثبات ، فلو كان المراد من المقابل الأو ، ّل أعني : إلى ربّها ناظرة ، هو رؤية جماله سبحانه وذاته ، فيجب أن يكون الجزاء في قرينه ، أعني : تظن أن يفعل بها فاقرة هو حرمان هؤلاء عن الرؤية ، أخذاً بحكم التقابل. وبما أنّ تلك الجملة ـ أعني : القرين الثاني ـ لا تحتمل ذلك المعنى ، أعني : الحرمان من الرؤية ، بل صريحة في انتظار العذاب الفاقر ، يكون ذلك قرينة على المراد من القرين الأوّل ، هو رجاء رحمته وانتظار فرجه وكرمه.
بيان آخر
إنّ المراد من « ناظرة » سواء أفسرت بمعنى الانتظار أم النظر المرادف مع الرؤية ، هو توقّع المطيعين المتقين الرحمة الإلهية ، في مقابل توقع العصاة عذابه الفاقر ، فإذا كان هو المراد من الآية حسب التقابل ، فلو قلنا بأنّ لفظة « ناظرة » بمعنى الانتظار تسقط دلالة الآية على الرؤية ـ ولو كانت بمعنى النظر المرادف مع الرؤية ـ فهي كناية عن انتظار الرحمة ، مثلاً يقال : فلان ينظر إلى يد فلان ، يراد أنّه رجل معدم محتاج ليس عنده شيء ، وإنّما يتوقع أن يعطيه ذلك الشخص ، فما أعطاه ملكه ، وما منعه حرم منه ، وهذا ممّا درج عليه الناس في محاوراتهم العرفية ، إذ يقول إنسان في حقّ آخر« فلان ينظر إلى الله ثمّ إليك » فالنظر ، وإن كان هنا بمعنى الرؤية بلا شك ، لكنّه كناية عن انتظار فضله سبحانه وكرمه ، كانتظاره بعد الله فضل سيده ، ويفسره في « أقرب الموارد » بقوله« يتوقع فضل الله ثمّ كرمك » والآية نظير قول القائل :
إنّي إليك لما وعدت لناظر |
|
نظر الفقير إلى الغني الموسر |