فمحور البحث والمراد ، في أمثال المورد ، هو توقّع الرحمة وحصولها ، أو عدم توقّعها وشمولها ، فالطغاة يظنون شمول عذاب يفقرهم ويكسر ظهورهم ، والصالحون يظنّون عكسه وضدّه. وأمّا رؤية الله سبحانه ووقوع النظر إلى ذاته فخارج عن مدار البحث في هذه المواقع ، والأشعري وكلّ من استدلّ بهذه الآية على الرؤية خلط المعنى المكنّى به بالمعنى المكنّى عنه. فقد كنّى بالنظر إلى الله عن الانتظار لرحمته وشمول فضله وكرمه.
ولذلك نظائر في الكتاب العزيز ، يقول سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيمانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليم) (١). والمراد من قوله : « لا ينظر إليهم » هو المعنىالمكنّى عنه ، وهو طردهم عن ساحته ، وعدم شمول رحمته لهم ، وعدم تعطّفه عليهم ، وتدلّ على ذلك الآية المتقدّمة عليها ، حيث قال عزّ من قائل : (بَلى مَنْ أَوفى بِعَهْدِهِ وَاتّقى فَإنَّ الله يُحِبُّ المُتَّقينَ). (٢)
فلو قمنا بالمقابلة يكون سياق الآيات بالشكل التالي :
مَن أَوفى بِعَهدِهِ وَاتّقى يكون جزاؤه قوله : يحبّه الله فإنّ الله يحبّ المتقين.
وإِنَّ الَّذينَ يَشترون بِعَهْدِ الله وَأَيمانِهِمْ ثَمَناً قَليلا يكون جزاؤهم قوله : لا يُكَلّمُهُمُ اللّهوَلا يَنْظُر إِليهِمْ يَومَ القِيامةِ.
فالإبهام الموجود في الجزاء الثاني يرتفع بالمعنى المتبادر من الجزاء الأوّل ، فبما أنّ المراد منه هو عموم رحمته وشمول فضله يكون المراد من الجزاء الثاني هو قبض رحمته وعدم شموله لهم.
وإن شئت قلت : إنّ المراد من « لا ينظر إليهم » ليس هو عدم رؤية الله وعدم مشاهدته إيّاهم ، لأنّ رؤيتهم أو عدم رؤيته ليس أمراً مطلوباً لهم حتى
ــــــــــــــــــ
١ ـ آل عمران : ٧٧.
٢ـ آل عمران : ٧٦.